في ظل الأزمات المتنوعة التي يشهدها لبنان، لم يكن ينقص إلا القرار الذي صدر عن البرلمان الأوروبي، أول من أمس، الذي ينص على دعم إبقاء النازحين السوريين في البلاد، الأمر الذي أدى إلى إستنفار مختلف القوى السياسية، التي وجدت فيه الفرصة المناسبة من أجل التعبير عن إدانتها وإستنكارها لهذا السلوك الأوروبي.
على الرغم من خطورة هذا القرار، خصوصاً لناحية توقيته، حيث جاء بالتزامن مع التطور الذي كان قد سجل في مواقف غالبية الأفرقاء المحليين، بالإضافة إلى الإنفتاح العربي على سوريا بعد القمة العربية التي عقدت في مدينة جدة السعودية، إلا أن ما ينبغي التأكيد عليه أنه يأتي ضمن مسار عام تتبناه غالبية الدول الغربية، لا سيما الأوروبية منها، وبالتالي لا يجب أن يكون مستغرباً من قبل المعنيين.
إنطلاقاً من ذلك، السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو حول الجهة التي تتحمل المسؤولية عن الواقع الذي وصلت إليه هذه الأزمة، بما تحمله من تداعيات على كافة المستويات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، نظراً إلى مسؤولية القوى اللبنانية لا ينبغي أن تتوقف عند بيانات الإستنكار والإدانة، بل هناك العديد من الخطوات التي كان من المفترض أن تقوم بها في السنوات الماضية.
منذ بداية الحرب في سوريا، كانت هذه الأزمة مدار إنقسام سياسي بين هؤلاء الأفرقاء، حيث استخدمت كمادة سجالية في إطار المزايدات الشعبوية، من دون أن تدرك غالبية القوى خطوة هذا الملف وتداعياتها على الواقع اللبناني، لا بل أن بعضها إستخدمها من أجل "المتاجرة" بسبب الأرباح المالية التي تحققها، أو في إطار الرهانات على أن تقود إلى تبدل الأوضاع في الداخل السوري، ولاحقاً سيطرت حالة من القلق أو الخوف من إغضاب القوى والمؤسسات الدولية، حيث كان المسؤولون يتراجعون عند أي تحذير يوجه لهم.
حتى الآن، يمكن التأكيد أن ليس هناك من خطة واضحة، لدى السلطات المعنية، في كيفية التعامل مع هذه الأزمة، ومن المتوقع أن يمثل القرار الأوروبي الجديد عامل إرباك لهم، وبالتالي جميع الأفرقاء اللبنانيين، خصوصاً الذين لم يكن لديهم مواقف واضحة من هذه الأزمة، هم من يتحمل المسؤولية الأولى عما وصلت إليه الأمور، ما يعني أن الأسئلة يجب أن توجه لهم قبل أن توجه إلى البرلمان الأوروبي، الذي لديه مصالحه الخاصة التي دفعته إلى إتخاذ هذا القرار.
الأهم من كل ما ذلك، يبقى هو الخطوات التي سيُصار إلى إعتمادها، في المرحلة المقبلة، لا سيما أن التجربة أثبتت أن الرهان على ما يُسمى بـ"المجتمع الدولي"، من أجل المساعدة في المعالجة، هو رهان فاشل، خصوصاً أن غالبية الدول الفاعلة في هذا المجتمع لا تريد أو غير مستعجلة على الحل، بسبب المصالح أو الأهداف السياسية التي تسعى إلى تحقيقها، وبالتالي المبادرة يجب أن تكون من الداخل أولاً، على أساس أن لبنان هو المتضرر الفعلي من هذه الأزمة، لكن ليس على قاعدة الإكتفاء بالمواقف الإعلامية أو البيانات السياسية.
ما تقدم، لا يعني أن تفتح بعض القوى السياسية، كما فعلت في مراحل ماضية، الباب أمام الحملات التحريضية على النازحيين، التي من الممكن أن تقود إلى صدامات أو توترات في المناطق، ما يقود إلى تفجير الأزمة بدل معالجتها، بل البحث في خطوات عملية تكون قادرة على إطلاق عملية إعادتهم إلى بلدهم، على قاعدة تأمين المصلحة الوطنية العليا لا إرضاء المجتمع الدولي أو الدول الغربية خوفاً من التهديدات التي تطلقها.
في المحصلة، قرار البرلماني الأوروبي يمثل فعلاً طعنة في ظهر اللبنانيين، لكن في المقابل الطعنة الأكبر هي إستمرار الأفرقاء المحليين بالسلوك نفسه القائم منذ سنوات، نظراً إلى أن المسؤولية تقع على عاتقهم قبل أي جهة أخرى.