كان واضحاً منذ اكثر من سنة، ان معادلة جديدة يطرحها العالم الغربي قوامها: انقاذ لبنان من المحنة المالية والاقتصادية مقابل ابقاء النازحين السوريين على ارضه، ولكن للاسف، كانت غالبية اللبنانيين غير مدركة لهذا الامر، وكانت تتعاطى معه باستخفاف من جهة، ومن باب المصلحة الشخصية القصيرة الامد من جهة ثانية.
ها قد وصلنا الى المحظور بعد قرار البرلمان الاوروبي، وهذه هي "الام الحنون" التي انبرت لتلقف المبادرات في سبيل "انقاذ" لبنان، تضع السكين الاول في جسمه عبر قيادتها حملة ابقاء النازحين السوريين على ارضه. من الطبيعي ان تقوم الدول الغربيّة والعربيّة بما يخدم مصالحها، ولكن من غير الطبيعي ان يبقى لبنان شاهداً على محاولات قتله، ولو كان الكلام قادر على تغيير النتائج وتحقيق الانتصارات، لغزا المسؤولون اللبنانيون العالم في اربع وعشرين ساعة.
اين هي مقومات الرفض اللبناني الذي "انتفض" مسؤولوه منذ اشهر وهدّدوا وتوعّدوا العالم اجمع بأنهم سيقومون بما يجب وما يمليه الدستور والقوانين اللبنانية للتعامل مع مشكلة النازحين السوريين؟ يبدو انهم جميعاً قد بُحَّت حناجرهم من الوعيد ولكنهم سيخرجون حتماً ببيانات ومواقف تزلزل الارض، وتبقي الوضع على حاله!.
اما بعد، فنحن امام معادلة جديدة يتم ترسيخها بشكل رسمي، قوامها تحسين الوضع مقابل بقاء النازحين، فكيف سيكون عليه؟ وفق الرؤية التي يتشاطرها العديد من المحللين والمتابعين السياسيين، فإن لبنان سيكون امام مرحلة جديدة لان المسؤولين سيقبلون حتماً بالمعادلة الجديدة، فهم غير قادرين على رفضها لان مصالحهم الشخصية اقوى من مصلحة البلد، وليس باستطاعتهم رفض ما يمليه عليهم الخارج، ولان الشعب اللبناني غير مستعد لاحداث ثورة حقيقية تطيح بالهوية الطائفية والتبعية الحزبية والسياسية، وتتفرغ لانقاذ البلد. ووفق الرؤية نفسها، فإن الحماس الخارجي لترسيم الحود البحريّة وبعدها البريّة، يهدف الى سحب هذه الورقة عن طاولة المفاوضات او المشاكل التي يمكن ان تطرأ، بمعنى ان تبقى المساحة الجغرافية للبنان صغيرة بشكل رسمي، فيما يزداد عدد المتواجدين على ارضه مما تبقى من مواطنين (الغالبية باتت مقتنعة بضرورة الهجرة او على الاقل انقاذ الابناء من مصير مجهول في لبنان)، واعداد النازحين واللاجئين. وتأكيداً لنزعة الخارج التمسك بابقاء النازحين في لبنان، كان الربط غير المنطقي بالطلب الى اللبنانيين الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية واجراء الاصلاحات المطلوبة. هذا الطلب محق وضروري وواجب، ولكن كيف له ان ينقذ لبنان من "تخمة" النازحين؟ الجواب سهل، ويكمن في ان انتظام الحياة في لبنان، يريح النازحين واللاجئين قبل اللبنانيين، بمعنى ان المواطنين سيعتادون عندها على التعايش مع الوافدين (كما حصل مع الفلسطينيين)، ولن يهتموا عندها بالمشاكل التي يتسبب بها هذا الوجود، طالما ان الامور تسير بشكل "طبيعي"، ايّ يتم تأمين المتطلبات التي يحتاج اليها اللبنانيون.
عن أيّ مبادرة سيتحدث الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في زيارته المقبلة الى بيروت، وما نفع كل التحرك الذي سيقوم به اذا كان حجر الزاوية لمبادرته التي يحملها مدعوماً من كل العالم، تقوم على رفض أيّ طلب لاعادة السوريين الى بلدهم؟ وهل سيعرض الامر نفسه على تركيا والاردن وباقي الدول التي تستضيف اعداداً اقل بكثير من النازحين؟ لا بل اكثر من ذلك، هل يستطيع احد ان "يفرض" أيّ أمر على سوريا نفسها وهي التي تنعم بحمى روسيا؟ انها شريعة الغاب، ولمن لم يفهم بعد سبب ما حصل في لبنان منذ اكثر من ثلاث سنوات وحتى اليوم، فماذا ينتظر بعد لربط الخيوط وانهاء الصورة الضبابيّة؟ فالمعادلة الجديدة كشفت المستور ولم يعد هناك من مجال للشك او التنظير، فالواقعة وقعت، ولن ينفع كل ما سيصدر من كلام عن المسؤولين والزعماء السياسيين والحزبيين، لانّ الكلمات لن تغيّر شيئاً على ارض الواقع، فـ"من ضرب ضرب ومن هرب هرب"...