شكّل القرار الذي صوّت عليه البرلمان الاوروبي بالأمس بأغلبيته الساحقة حول إبقاء النازحين السوريين في لبنان صدمة، رُبما كانت متوقّعة، بالنسبة لللبنانيين خصوصاً وأن أوروبا التي ترزح تحت أعباء لجوء السوريين اليها منذ العام 2015، ومنذ سنة ونيّف بدأ نزوح الاوكران الى القارة العجوز، فبدت وكأنها تريد تصدير أزمتها إلينا فقط لا غير، هذا اضافة الى أن في هذا القرار إنتهاك واضح وصريح للسيادة اللبنانية.
نعم إنتهك البرلمان الأوروبي بالأمس سيادة لبنان وسط صمت جزء كبير من السياسيين في بلاد الارز التي تعاني الأمرّين جراء تحمّلها ثقل النازحين السوريين إضافة الى الأعباء الاقتصاديّة والاجتماعيّة جراءه، ولو كنا في بلد آخر لكان مجلس النواب اللبناني إجتمع ليأخذ موقفاً حاسمًا من القرار وحتى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بدا صامتًا وكأن شيئاً لم يكن رُبما صمته مفهوم فهو معني بالقرار الاوروبي، ولكن ماذا عن البقية؟ أبعد من ذلك لماذا طال القرار لبنان فقط دون البلدان الاخرى كالاردن وتركيا... هل رُبما لأن "حيطنا واطي"؟!.
النصّ الاساسي لقرار البرلمان الاوروبي ليس بالقسوة التي تحدث عنها النائب الفرنسي تيري مرياني. وهنا تشرح استاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية ليلى نقولا أنه "ربما يحاولون تلطيفه لأنه مستند رسمي ولكن بجميع الأحوال هذا هو هدف الاتحاد الاوروبي وهو ابقاء النازحين في لبنان، خصوصا أن لدى الاتحاد الاوروبي مشكلة حقيقية، الا وهي الهجرة إضافة الى التعب من اللاجئين وهم يشعرون أن هذه احدى الاسباب التي أدت الى بروز مشاكل اقتصادية، والاهم غيرت هوية المجتمع". بدوره الخبير في الشؤون الفرنسية تمام نور الدين فيشير الى أن "اليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا هو ضدّ بقاء النازحين في لبنان أما البقية فهم مع دمجهم في المجتمعات المضيفة وهذا القرار يترجم باعطاء المساعدات للنازحين في البلدان التي هم فيها".
تشير ليلى نقولا عبر "النشرة" الى أن"الاوروبيين يريدون ابقاء النازحين في لبنان والتأكد من أنهم لن يذهبوا الى أوروبا، بالمختصر تصدير مشكلتهم الينا"، واصفة القرار "بالمسّ بسيادة لبنان لأننا بلد لديه سيادة وهو يقرر ولسنا في بلد وقّع على اتفاقية اللجوء، كذلك يخالف هذا القرار القانون اللبناني لأنه يمنع التوطين لدينا".
أما تمام نور الدين فيشرح لماذا شمل القرار لبنان واستثنى الاردن وتركيا، إذ يلفت الى أن "لدى الاوروبيين مصالح مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ومع تركيا خصوصا وهي من ستوافق على دخول دول البلطيق الى حلف الناتو، كذلك لدى تركيا حدود مع أوروبا ورجب طيب أردوغان قام سابقاً بفتح الحدود، أما الاردن فقد وقعت اتفاقية سلام مع اسرائيل وهم لا يستطيعون اللعب بالتوازنات هناك وبالتالي المسّ بأمن اسرائيل".
يرى تمام نور الدين أن "القرار الاوروبي يحمل في طياته رسالة سياسية موجّهة الى النظام السوري على وجه الخصوص". في حين أن ليلى نقولا تعتبر أن "لبنان يستطيع مواجهة القرار بالسير بالحلّ العربي الذي تقوده السعوديّة وذلك بقيام الحكومة اللبنانيّة بالتنسيق مع الحكومة السوريّة لاعادة النازحين".
ما يريده الاوروبيون فعلياً اليوم هو زيادة الضغط على لبنان وتصدير أزمتهم الينا، في وقت يقف المسؤولون في لبنان متفرجين لا بل أكثر، فقد سمعنا منهم تطمينات خلال زيارتهم الى الخارج وحديثهم بموضوع النازحين... السؤال هنا "هل كذب الاوروبيون على المسؤولين في لبنان أم أن هؤلاء من يكذبون على الشعب اللبناني، يتحدثون أمامه بشيء ويذهبون الى الخارج ويدلون هناك بمواقف مناقضة تماماً"؟.