على وقع الإنشغال اللبناني بالعديد من الملفات التصعيدية، التي كانت قد برزت في الآونة الماضية، يمكن التأكيد أن البلاد ستكون، في الشهرين المقبلين، أمام إرتفاع وتيرة العمل على الملفين الأبرز، أي الإستحقاق الرئاسي وملف التنقيب عن الغاز في البلوك رقم 9، مع ما يعنيه ذلك من تدخل القوى الإقليمية والدولية المعنية بالساحة المحلية.
في هذا السياق، يبدو أنه من الصعب الفصل بين الملفّين، خصوصاً أن نجاح الملف الأول يرتبط بوجود حدّ أدنى من الإستقرار الداخلي، الأمر الذي لا يمكن أن يحصل دون الإنتهاء من الملف الأول، لا سيما أن خروج الأمور عن السيطرة قد يؤدي، في لحظة ما، إلى تصعيد على الجبهة الجنوبية.
على هذا الصعيد، تلفت مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى وجود نقطة هامة ينبغي التوقف عندها، تكمن بأن الجانبين المعنيين بالإستحقاق الرئاسي، أي فرنسا وقطر، هما شريكين أساسيين في التنقيب عن الغاز، الأمر الذي يبرر إهتمامهما في إنجاز الأول بأسرع وقت ممكن، خصوصاً مع إقتراب موعد بدء أعمال التنقيب، مع العلم أن الدوحة كانت قد دخلت على الخط، إنطلاقاً من إتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي تم مع تل أبيب.
بدء أعمال التنقيب عن الغاز، بحسب ما هو معلن، من المفترض أن يكون في النصف الثاني من شهر آب المقبل، الأمر الذي يتطلب توفير الأجواء المناسبة لهذا الحدث الكبير، وهو ما يبرر تعاظم الحديث عن الدور القطري في الملفّ الرئاسي، في الأسابيع الماضية، بعد أن كان الأمر ينحصر بالجهود التي يقوم بها الجانب الفرنسي.
بناء على ما تقدم، تعطي هذه المصادر أهمّية لإجتماع اللجنة الخماسيّة الثاني، الذي عقد في الدوحة يوم أمس، خصوصاً أنه جاء بالتزامن مع المعلومات عن طرح جديد، من الممكن أن يقدم في الفترة المقبلة، يحظى بدعم فرنسا وقطر، مع الاشارة أن الإجتماع الأول لهذه اللجنة كان قد عقد في باريس، مما يفسّر أن الإهتمام الأساسي بالملف اللبناني يأتي من الدولتين فقط.
طوال الفترة الماضية، كانت العديد من الجهات اللبنانية تتحدث عن أن فرنسا لن تكون قادرة على إنجاز الإستحقاق الرئاسي ما لم تحصل على دعم بعض الجهات الإقليمية والدولية المعنية، لا سيما أنها كانت قد اصطدمت برفض واسع للمبادرة الأولى التي تقدمت بها، الأمر الذي يدفع المصادر السياسية المتابعة إلى الرهان على "الدوزنة" القطريّة في الفترة المقبلة، خصوصاً أن الدوحة كانت تعمل، سابقا، على هذا الملف بعيداً عن الأضواء.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، دخول القطريين على الخط يكتسب أهمية كبيرة، فهم لديهم تجربة ماضية بالملف اللبناني، تتمثل في رعايتهم مؤتمر الدوحة الذي عقد في العام 2008 بعد أحداث السابع من أيار، كما يتمتعون بعلاقات جيدة مع مختلف الأفرقاء المحليين والإقليميين، من دون تجاهل خبرتهم في لعب دور الوساطة في النزاعات، وهم الآن على الأرجح يحظون بدعم كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
ما ينطبق على الملف الرئاسي، ينطبق أيضاً على الواقع في الجبهة الجنوبية، التي كانت قد شهدت العديد من التوترات في الأيام الماضية، الأمر الذي وضعه البعض في سياق المفاوضات القائمة حول أكثر من ملف إقليمي، في حين ذهب البعض إلى ربطه بتداعيات الأزمة القائمة على المستوى المحلي، لكن ما يمكن التأكيد عليه أن الدول الكبرى ليس لديها مصلحة في مواجهة على هذه الجبهة، الأمر الذي يتناغم مع مصالح الشركات المسؤولة عن أعمال التنقيب عن الغاز.
في المحصلة، تلفت هذه المصادر إلى أنه منذ تاريخ الإعلان عن إتفاق ترسيم الحدود البحريّة، كانت الكثير من الأسئلة تطرح حول التداعيات التي من الممكن يتركها على الأوضاع الداخلية، الأمر الذي كان قد تأخر، إلا أن الأساس يبقى الحفاظ على الإستقرار الداخلي ولو بالحد الأدنى، أما النتيجة الكبرى ستكون في إستغلال الظروف لإنتاج تسوية سياسية، قد يكون موعدها في الشهرين المقبلين، ربطاً بالعديد من التطورات الإقليمية، التي من المتوقع حصولها في هذه الفترة.