لم يخرج الإجتماع الخماسي في الدوحة الذي جمع الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ومصر على طاولة واحدة للبحث بالشؤون اللبنانية، أو لنقل بأزمات لبنان، بخارطة طريق لإنهاء الشغور الرئاسي، وبمعنى آخر لم يطلق مبادرة سياسية، على غرار المبادرة الفرنسية السابقة لجهة تسمية رئيس للجمهورية ولجهة الإتفاق حول اسم رئيس الحكومة. اجتماع الدوحة لم يدخل في صلب الموضوع من خلال البحث بالأسماء، وأيضًا، لقد تصدت الدول المشاركة في الإجتماع لدعوة فرنسا الى الحوار، بحيث كانت هناك معارضة لتبني أو رعاية حوار لبناني، ومن هنا جاء الكلام على ضرورة الإلتزام بوثيقة الوفاق الوطني، بمعنى آخر أن لا لزوم لحوار في ظل وثيقة الوفاق القائمة، التي وعلى الرغم من عدم تطبيقها وعلى الرغم ممّا يعتريها من بنود تعرقل عمل الدولة والمؤسسات في الكثير من الأحيان، فالإنتخابات الرئاسية وفق البيان الصادر عن الإجتماع الخماسي يجب أن تحصل في البرلمان، مع التلويح بفرض عقوبات على كل من يعرقل اللعبة الديمقراطية في مجلس النواب.
وبحسب مراقب للأوضاع السياسية في لبنان والمنطقة، أن بيان الإجتماع الخماسي خلص إلى غياب خارطة طريق عملية أو مبادرة رئاسية سياسية خماسية تعمل فرنسا إلى ترجمتها على الأرض وهذا لم يحصل، فحل مكان المبادرة الفرنسية، بيان ثوابت ومبادئ وطنية وسياسية وسيادية، وتكفي قراءة بيان الدوحة والتمعن بما جاء فيه ليتبين لكل متابع للملف اللبناني، أنه جاء ليؤكد على جملة قضايا، وكأنها تشكّل وثيقة سيادية، "14 أذارية" إن لجهة الإلتزام بسيادة لبنان واستقلاله وتنفيذ القرارات الدولية، 1559 و1701 و1980 ومقررات الجامعة العربية وضرورة الإلتزام بوثيقة الوفاق الوطني وضرورة الذهاب الى إصلاحات إقتصادية وقضائية، بالإضافة إلى أن تكون أولوية رئيس الجمهورية العتيد لبنان واللبنانيين، وألاّ تكون له أولوية ما فوق لبنانية، والمقصود في ذلك أن مشروع الممانعة مشروع أكبر من لبنان، لا بل أن تكون لرئيس جمهورية أولوية لبنان ورفاهية الشعب اللبناني وأولوية المشروع اللبناني. ولذلك من الواجب التمييز بين غياب الخطة العملية وغياب المبادرة وبين بيان ثوابت يحدّد بشكل واضح المدخل للخروج من الأزمة اللبنانية ونفقها المظلم، وذلك من خلال الإلتزام بالنصوص المرجعية المتعلقة بالقرارات الدولية ومقررات الجامعة العربية وبوثيقة الوفاق الوطني.
السؤال الأساسي الذي يُطرح اليوم، ماذا بعد هذا الإجتماع؟ سياسي مراقب يقول لـ"النشرة" لا يمكن التنبؤ بشيء سوى المزيد من الإهتمام الدولي بلبنان وهو مشكور، لكن الشغور الرئاسي مفتوح في ظلّ استحالة للخروج منه في ظلّ تمسّك الثنائي الشيعي بمرشحه سليمان فرنجية وغياب أي أفق خارجي أو داخلي للخروج من هذا المأزق، خصوصًا أن المجتمع الدولي واللجنة الخماسية ليسا في وارد الضغط على إيران لتليين موقف "حزب الله" في الموضوع الرئاسي ولا تملك اللجنة مبادرة عملية. لكن طبعًا، أهمية هذا البيان تكمن في أنه إذا عجزت الدول الخارجية عن أي عمل إنقاذي للبنان، المهم ألا تفعل ما يتنافض مع دستوره ونصوصه المرجعية، واللجنة الخماسية أكّدت على نصوص مرجعية وهذا أمر جيد ولكن من دون مؤشرات للخروج من الأزمة الرئاسية المستعصية.
ونسأل هل يمكن لإجتماع عربي دولي لا تشارك فيه إيران مباشرة أن يحقق النتائج المرجوة للبنان للخروج من جهنم ولينجح النواب بانتخاب الرئيس العتيد، الذي قد لا يمكنه أن يصحح مسار الدولة لأن لا صلاحيّات له لكن وجوده ضرورة معنوية على الأقل؟.