في الوقت الذي لا تزال فيه تتباين القراءات الداخلية، حول نتائج إجتماع اللجنة الخماسية في العاصمة القطرية الدوحة، يبدو أنه بات هناك شبه إجماع على تراجع طرح الذهاب إلى طاولة حوار بهدف مناقشة الإستحقاق الرئاسي، لا سيما أن البيان الختامي لهذا الإجتماع لم يأت على ذكر الموضوع، بالرغم من أنه كان العنوان الأبرز، طوال الأسابيع الماضية، على أساس أنه سيكون الطرح الذي سيعود به المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، في زيارته الثانية إلى لبنان.
إنطلاقاً من ذلك، عادت القوى المحلّية إلى مواقفها الماضية، التي تتراوح بين تمسك فريق بترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجيّة، بالتزامن مع دعوة الآخرين إلى الحوار حول هذا الملفّ من دون شروط مسبقة، في مقابل رفض القوى الأخرى لهذا الترشيح، مطالبة بالذهاب إلى جلسات إنتخاب مفتوحة تقود إلى إنتخاب الرئيس المقبل، بالرغم من إدراك الجميع أن هذا الأمر لا يمكن أن يحصل، نظراً إلى أن إنجاز الإستحقاق الرئاسي يتطلب تسوية واضحة المعالم.
في هذا السياق، تؤكد مصادر نيابيّة، عبر "النشرة"، أنّ الكباش السياسي بين هؤلاء الأفرقاء سيكون عنوان المرحلة المقبلة، لا سيما في ظلّ الملفات الخلافيّة التي من المتوقع أن تتزايد، والتي سيكون أبرزها تلك المرتبطة بالأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة، خصوصاً مع إنطلاق مناقشات موازنة العام 2023 في مجلس الوزراء، بالتزامن مع التحدّيات التي سيفرزها إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في ظلّ مخاوف من إنعكاس ذلك على سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا الواقع سيفتح الباب أمام التكهّنات المرتبطة بالدور الخارجي في الإستحقاق الرئاسي، خصوصاً أن هناك من لم يتعامل بإيجابيّة مع مخرجات إجتماع الدوحة، أي قوى الثامن من آذار، التي وجدت فيها ما يثير الريبة، ما قد يقودها إلى المزيد من التشدد في موقفها من تبنّي ترشيح رئيس تيار "المردة"، على عكس ما هو حال القوى الأخرى، خصوصاً تلك التي كانت تدور في فلك قوى الرابع عشر من آذار، التي رأت أن تلك المخرجات تعبر عما كانت تطالب به منذ فترة طويلة.
بناء على ما تقدم، يصبح من المنطقي البحث عن الخيارات المتاحة أمام الأفرقاء المحليين، في الفترة المقبلة، طالما أنّ الذهاب إلى الحوار مرفوض من قبل فريق، بينما فتح الباب أمام الخيار الإنتخابي الصرف مرفوض من قبل فريق آخر، ما يؤشر إلى أن من المستبعد الوصول إلى حلّ في وقت قريب.
بالنسبة إلى مصادر سياسية متابعة، حالة الجمود الحاليّة من الصعب كسرها إلا بتطور كبير، الأمر الذي سيكون مرهوناً بالتطورات التي من الممكن أن تحصل، وتشير إلى أنه بحسب الوقائع الراهنة من الممكن الحديث عن 3 سيناريوهات أساسية: الأول هو حصول تطور داخلي يدفع الأفرقاء المحليين إلى تقديم تنازلات، أما الثاني فهو أن يقود التطور إلى إقتناعهم بضرورة الذهاب إلى حوار مفتوح، بينما الثالث هو إستمرار الرهان على حصول تسوية خارجية يكون لها تداعياتها الحاسمة على الواقع المحلي.
ما بين السيناريوهات المذكورة أعلاه، تشير المصادر نفسها، عبر "النشرة"، إلى أنه لا يمكن تجاهل سيناريو رابع، يجمع بين حصول تطور داخلي كبير ودخول خارجي على الملف بناء عليه، الأمر الذي يعني أن العامل الداخلي يمهد الطريق نحو هذا الدخول، الذي من المفترض أن يكون أكبر من ذلك الذي كان يرافق المبادرة الفرنسية، وإلا سيكون لبنان أمام فراغ أطول مما تذهب إليه مختلف التوقعات.
في المحصلة، تلفت هذه المصادر إلى أن حسم مسألة البحث في تعديل إتفاق الطائف، في ظل الفيتوات التي رفعت من قبل العديد من الجهات المحلية والداخلية، قد تكون هي العامل المسهل في الوصول إلى تسوية رئاسيّة في مهلة معقولة، لكنها تشدّد على أنّ هذا الأمر لن يكون سهلاً على الإطلاق، بالنظر إلى أنّ الملف لم يشهد، حتى الآن، أيّ تطور جدّي منذ لحظة الدخول في الشغور الرئاسي.