كانت انتخابات رئيس الجمهورية اللبنانية موضوعًا ذا أهمية كبيرة في الآونة الأخيرة، حيث تسعى البلاد للتنقل عبر مشاهد سياسية معقدة وكأنّها تمشي في حقل للألغام، والسبب يعود الى تشابك القوى في الداخل اللبناني وارتباطهم ارتباطاً عميقاً بالمجتمع الدولي، لا سيّما الولايات المتحدة، المملكة العربية السعودية، فرنسا قطر وإيران، وتلعب هذه القوى الخارجية دورًا كبيرًا في التأثير على انتخابات رئيس الجمهورية في لبنان.
في هذا السياق لم يعد خافيا على أحد أن الوضع الحالي لانتخابات رأس للدولة اللبنانية وارتباطا بالقوى الخارجية، والآثار السياسية على الديناميات الداخلية في لبنان، التي غالباً ما تتعرض لانقسامات عميقة بين الأحزاب والطوائف باتت كلّها عالقة في عنق الزجاجة. علاوة على ذلك، انسحب هذا الامر على تظهير العواقب السلبية الناجمة عن غياب رئيس للجمهورية على الامن والأمان الاجتماعي والاقتصاد والمالية العامّة.
يجد لبنان نفسه في نقطة محوريّة، حيث يحتاج بشدة إلى رئيس ليوجّه البلاد نحو الاستقرار والوحدة على الرغم من أنّ رئيس الجمهورية اللبنانية بات مكبّل اليدين منذ توقيع اتّفاق الطائف. ومع ذلك، فقد عرقل الجمود السياسي التقدّم، رغم الرسائل الاميركية وجولات السَمَر الّذي يقوم بها جان ايف لودريان مبعوث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان في محاولة لفتح كوّة في جدار الازمة الرئاسية مما أدى مع الاستمرار الطويل إلى شغور المنصب والّذي قد يستمر لفترة طويلة، يقال حسب البعض أنّه لن يرى رئيسًا قبل حلول عام 2024. على الرغم من امتداد آثار هذا الشغور الطويل إلى مختلف جوانب المجتمع اللبناني.
الولايات المتحدة، وباعتبارها لاعبًا رئيسيًا في المنطقة، تمارس تأثيرًا كبيرًا على المشهد السياسي في لبنان، الّذي استمتع تاريخيًا، بعلاقات قوية مع أميركا، وكان الدعم الأميركي ضروريًا في مساعدة البلد للتغلب على تحدّيات متعددة أبرزها الأمنية منها والمساعدات الّتي تُقدّم الى المؤسسة العسكرية. مع التشديد باستمرار على أهميّة لبنان المستقر والموحّد، مع حث السياسيين اللبنانيين على التوصل إلى توافق بشأن انتخاب رئيس. ولكن الجمود السياسي المستمر وشبه المتوقّف قد يزيد من توتر العلاقة بين البلدين.
في هذا السياق، تلعب أيضًا المملكة العربية السعودية، الدولة الثانية المؤثرة في المنطقة، دورًا كبيرًا في الديناميكيات السياسية في لبنان. وهي الّتي دعمت تاريخيًا بعض التيارات اللبنانية، مما ساهم تارة في التوتر وطورًا في استقرار البلاد. وعبرت الحكومة السعودية عن استيائها من الجمود السياسي المطوّل وفرضت عقوبات اقتصاديّة على لبنان للضغط على الطبقة الحاكمة للتوصل إلى حل. ومع ذلك، أدّى هذا النهج إلى آثار ضارّة ضخمة على الاقتصاد والاستقرار.
فيما يتعلق بفرنسا، وبتاريخها وعلاقاتها، شاركت نشاطاً في الجهود الدبلوماسية لحل الجمود السياسي. وقام ماكرون بزيارات عديدة إلى لبنان، مشددًا على ضرورة تشكيل حكومة وانتخاب رئيس. ويُظهر هذا الانخراط من باريس التزامها بالاستقرار ورغبتها في الحفاظ على تأثيرها في المنطقة.
قطر، أيضًا، سعت لممارسة تأثيرها في شؤون لبنان السياسية. وبالرغم من عدم كونها بالقدر المطلوب كقوّة خارجيّة أخرى، فقد قدمت مساعدات مالية في الماضي، لا سيما في أزمة تموز عام 2006. وعبرت حكومة قطر عن قلقها إزاء تأثير الجمود السياسي على الاستقرار ودعت إلى حل يشمل مصالح جميع الأطراف اللبنانية.
من ناحية أخرى، يتمثل دور إيران في انتخابات رئيس لبنان أساسا في دعمها لـ"حزب الله"، الذي يعد مجموعة سياسية وعسكرية قويّة. دعمته طهران باستمرار، وقدمت له جميع المساعدات على الصعد كافة. وبالتالي، تتأثر الديناميكيات السياسية في لبنان بشكل كبير بالطموحات الإقليمية لإيران.
كان غياب رئيس لبنان لفترة طويلة له عواقب سلبية حادة على أمن البلاد وأمانه الاجتماعي واقتصاده وماليته، في ظل وجود غريب على ارضه من اللاجئين الفلسطينيين الى أعداد النازحين السوريين الضخمة حيث سهّل بعض حكّام الطبقة السياسية في ادخالهم الى لبنان دون أي احتساب لمصلحة الوطن. وعمق غياب أي شخصيّة جامعة للاتفاق عليها لاعادة افتتاح قصر بعبدا وحدة الانقسامات السياسية، وزيادة التوترات الطائفية والتهديدات الأمنية المحتملة. زادت من الوضع المأزوم حدّة، وعلاوة على ذلك، كان للآثار الاقتصادية للجمود السياسي اضراره الكبيرة، مع تراجع الاستثمارات الأجنبيّة وتدهور سوق العمل على الرغم من السياحة لعبت دورا ايجابيا في لجم الانهيار النقدي السريع. وقد أعاقت الشكاوى بحق حاكم المصرف المركزي ورحيله ووهن الطبقة الحاكمة والخوف من الاصلاحات لما في الفساد من مصلحة لها من وضع إصلاحات فعليّة موضع التنفيذ، مما أفقد الاقتصاد اللبناني الهش قوّته ليصبح أكثر تدهورًا.
في الختام، تعتبر انتخابات الرئيس اللبنانية ليست مسألة داخلية فحسب، بل هي مرتبطة ارتباطاً عميقاً بقوى خارجية مثل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وفرنسا وقطر وإيران. وتمارس هذه الدول تأثيراً من خلال دعمها السياسي والاقتصادي والدبلوماسي لمختلف التيارات اللبنانية. كما ان الجمود السياسي المستمر في لبنان أدى إلى آثار سلبية حادّة، وقد آن الأوان للسياسيين أن يعطوا أولوية للمصالح الوطنيّة على الانقسامات الطائفيّة بدل الاستمرار في النهج الحالي من النكد السياسي والاختلاف على جنس الملائكة. إنها دعوة وباصرار لحل الجمود السياسي للتغلب على التحدّيات وتمهيد الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقًا.