في الأسابيع الماضية، طغى الحديث في الأوساط اللبنانية عن الأجواء المتوترة على مستوى المنطقة، الأمر الذي من الطبيعي أن يترك تداعياته على الملف المحلّي، نظراً إلى أن البلاد تتأثر بأي معطى جديد، لا سيما إذا كان سلبياً، وبالتالي تراجع الحديث عن إمكانية الوصول إلى تسوية في وقت قريب.
هذه الأجواء، تهدّد الطرح الفرنسي، الذي يقوم على أساس الذهاب إلى الحوار في الشهر المقبل، خصوصاً أن الأجواء الداخلية، بعد التوترات التي كانت قد برزت في الفترة الماضية، لا تشجع على ذلك، بسبب إرتفاع منسوب الإحتقان بين الأفرقاء اللبنانيين، بالإضافة إلى عودة خطاب المواجهة إلى الواجهة من جديد.
في قراءة مصادر سياسية متابعة، القوى المحلية لم تبادر إلى تقديم تنازلات في فترة التهدئة الإقليمية، الأمر الذي يؤكد أنها لن تكون في هذا الوارد في المرحلة الراهنة، حيث تعود الرهانات على إمكانية حصول تحولات تصب في صالح هذا الفريق أو ذاك، وبالتالي الجميع قد يعود إلى تفضيل خيار الإنتظار، بدل المبادرة إلى إستعجال التسوية المنتظرة.
وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أنّ الإرتباطات الخارجيّة لهذه القوى تحول دون قدرتها على الذهاب إلى الخيار الثاني، خصوصاً أنّ القوى الإقليميّة أيضاً، على ما يبدو، هي في مرحلة تجميع أوراق قوّتها، قبل الجلوس على طاولة المفاوضات، من دون تجاهل بروز مشروعين كبيرين على مستوى المنطقة: الأول هو ما يُحكى عن إمكانيّة الوصول إلى إتفاق لتطبيع العلاقات بين السعوديّة وإسرائيل، أما الثاني فهو إحتمال العودة إلى الإتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران.
من حيث المبدأ، التقدم في أي من المشروعين، اللذان يتأثران بالإنتخابات الرئاسية الأميركية وسعي إدارة جو بايدن إلى تحقيق إنجاز في السياسة الخارجية، من الطبيعي أن يكون له تداعيات كبيرة على مستوى المنطقة برمّتها، ولبنان، بوصفه ساحة يتداخل فيها اللاعبون الإقليميون والدوليون بقوة، من الطبيعي أن يكون من أبرز المتأثرين بذلك.
بالنسبة إلى مصادر نيابية مطلعة، الحديث عن مشاريع جديدة على مستوى المنطقة يعكس إستمرار الأفرقاء المحليين بالرهان على التطورات الخارجية، الأمر الذي لن يقود إلى أي حل على المستوى الداخلي، نظراً إلى أن ليس هناك من القوى اللبنانيّة من هو في وارد التسليم بالهزيمة الكاملة، وبالتّالي من المفترض البحث عن تسوية تقوم على أساس معادلة لا غالب ولا مغلوب.
بالإضافة إلى ذلك، تلفت هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أنّ من المستبعد نجاح المشروعين في وقت قصير، بسبب التعقيدات التي تعترض كل منهما، سواء ذلك المتعلق بالتطبيع السعودي الإسرائيلي أو العودة إلى الإتفاق النووي الإيراني، في حين أنّ الإدارة الأميركية ستنشغل، في الفترة المقبلة، بالإنتخابات الرئاسيّة، التي تلعب فيها الأوضاع الداخليّة التي تهمّ الناخب الأميركي الدور الأكبر.
في المحصّلة، تعتبر المصادر نفسها أنّ الرهان الوحيد الممكن حالياً، هو على عودة أجواء التهدئة الإقليميّة، أيّ تلك التي كانت سائدة في الفترة الماضية، على أن يبادر الأفرقاء اللبنانيون إلى إستغلالها بالشكل المطلوب، طالما أنّ المعطيات تؤكّد أن ليس هناك من قرار خارجي بتفجير الأوضاع بشكل شامل، في حين أن إستمرار إنتظار التحولات الكبرى لن يقود إلى أيّ نتيجة، بل على العكس من ذلك يهدّد بما هو أخطر، بدليل ما كانت قد كشفته الأحداث الأمنية الماضية من إرتفاع في مستوى التوتر على مختلف الصعد.