تشبه قصّة تعاطي الضمان الاجتماعي مع المضمونين والأمراض قصّة إبريق الزيت، ففي "إمارة" الضمان الاجتماعي "ناس بسمنة وناس بزيت"، كما يقول المثل الشعبي... فلماذا نقول ذلك؟ لأنّ تعاطي الضمان مع المرضى يحصل وفقاً لتصنيفات، وهناك مرضى بدرجات، فمثلاً مريض غسيل الكلى يعتبر درجة أولى، يُدفع له الدولار وفق سعر منصة صيرفة أو 80 ألف ليرة، أما مريض السرطان فهو درجة أقل، حيث لا يزال يحصّل من الضمان ثمن الدواء على 1515 ليرة، بينما يدفعه على سعر صرف الدولار من السوق السوداء.
وافق مدير عام الضمان الاجتماعي محمد كركي على مجاراة وزارة الصحة في قرارها رقم 1/332 تاريخ 05/04/2023، المتعلق بتعديل تعرفة جلسة غسيل الكلى وتعديل تعرفة الطبيب، لتصبح حصة المستشفى 53$ أو 5.240.000 ل.ل وبدل أتعاب الطبيب 10$ أو 1.040.000 ل. ل...
التفرقة بين المرضى
في هذه المسألة، فعلها كركي وحذا حذو وزارة الصحة، فأصبحت كلفة 1400 مريض توازي 1727 مليار ليرة، بينما تبلغ كلفة طبابة 1.400.000 لبناني، يستفيد من الضمان، 350 مليار ليرة، بحسب حساب نتائج صندوق ضمان المرض والامومة لغاية 31/05/2023، الذي حصلت "النشرة" على نسخة منه وعرضته في تقرير سابق... الا يعدّ هذا "ناس بسمنة وناس بزيت"؟ فلماذا يُحرم مريض السرطان الذي يؤدّي عدم تناوله للدواء إلى تدهور صحته وربما وفاته، مما يُعطى لمريض يقوم بغسيل الكلى، مع العلم بوجود فائضٍ في صندوق الضمان بلغ 672 مليار ليرة!.
بالعودة إلى مرضى غسيل الكلى، رُفعت تعرفة المستشفيات لجلسات غسيل الكلى لتصبح 6.280.000 ليرة بما في ذلك أتعاب الطبيب، وتبيّن أن كلفة المريض الواحد الذي يخضع للجلسات بلغت، بحسب مصادر مطلعة، مليار ومئتين وثلاثة وثلاثين مليون ليرة، مشيرة في نفس الوقت إلى أنّ "الكلفة التي صرفت للمستشفيات عن معالجة 1400 مريض تساوي خمسة أضعاف معالجة جميع المضمونين في الضمان".
أكلاف إضافية
وتذهب المصادر أبعد من ذلك لتشير إلى أنه "ورُغم رفع تعرفة غسيل الكلى إلا أن المستشفيات تحمّل المرضى أكلافًا إضافية، والسبب يعود إلى عدم وجود إتفاق بين الضمان الاجتماعي والمستشفيات على الكلفة، إذ من الواضح أن الضمان رفع التعرفة ولكن المستشفيات لا تلتزم بها".
أبعد من ذلك، رُفعت بدل أتعاب الطبيب إلى مليون وأربعين الف ليرة. وهنا تشير المصادر إلى أنّ "في غرفة غسيل الكلى يوجد أكثر من مريض، وربما يصل العدد إلى أكثر من عشرة أشخاص، فهل يعقل أن الطبيب في جولة واحدة له يحصل على ما يفوق العشرة ملايين عن عشرة مرضى مرّ عليهم"؟.
من يراقب؟
تسأل المصادر عن جداول مرضى غسيل الكلى المرسلة من المستشفيات، اذ يُمكن لأيّ منها، بحسب المصادر، أن "يأتي ويقول هناك 30 مريضا قاموا بفترة معينة بالخضوع لأربع جلسات غسيل كلى وعلى الضمان تغطية التعرفة وأتعاب الطبيب"، بينما السؤال هنا: "من يراقب ومن يضبط هذه العملية"؟.
رُغم كلّ ما أوردناه، فإنّ الهدف ليس التصويب على ما يحصل عليه مرضى غسيل الكلى من الضمان الاجتماعي، لأنّ هذا من حقوقهم كما هو حقّ لبقية اللبنانيين بالحصول على الطبابة، ولكن السؤال "لماذا يحاسب الضمان الاجتماعي مريض السرطان على 1500 ليرة"؟. فمثلاً إذا اشترى دواء ثمنه 400$ في الماضي كان يُعاد اليه 60 الف ليرة، واليوم وبعد ارتفاع سعر صرف الدولار اصبحت قيمة المبلغ ذاتها بالعملة الخضراء تعادل 35 مليون و600 الف ل. ل. يرد له الضمان الاجتماعي 60 الف ليرة، مع التذكير بالفائض المذكور آنفًا...
فبأي حقّ يقوم بهذا التمييز بين المرضى؟ لماذا لا يلجأ إلى تطبيق القانون رقم 3685، والذي يتحدّث عن نسب المساهمة في تكاليف العناية الطبّية وحالات الاستشفاء من قبل المضمون والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بـ90% يتحمّلها الصندوق في حالات الاستشفاء، 80% في سائر أنواع تكاليف العناية الطبّية، 10% مساهمة المضمون في حالات الاستشفاء و20% في سائر أنواع تكاليف العناية الطبّية، وبالتالي يستردّ المضمون 80% من قيمة الدواء بينما حالياً هو يسترد 1.34% من قيمته ومنهم مرضى السرطان؟!.