بعد ايام على حادثة الكحالة وما خلّفته من خساشر بشرية ومعنوية كبيرة، كان اللافت ان الجميع، حتى المتخاصمين سياسياً وبالسلاح، اجمعوا على ان الجيش هو الحلّ والاحتكام اليه هو العنصر المطمئن لهم، ووضعوا الامور في عهدته.
هذا الامر مطمئن بالفعل، ويشير الى ان المسؤولين الرسميين والسياسيين والحزبيين، يتمتعون بالفعل بشيء من الوعي والادراك والمنطق على الرغم من ان اداءهم لا يوحي بذلك. وفي كل الاحوال، وما دامت المواقف قد اجمعت على اعتبار الجيش هو الملاذ للجميع، فمن اين خرجت الاصوات الشاذّة التي استهدفت الجيش وما هي الغاية منها؟.
في الواقع، تجيب شخصية سياسية قررت الابتعاد عن الاضواء منذ فترة غير قصيرة، انّ الامر لا يتعلق بالجيش بل بقيادته، وتحديداً بقائده العماد جوزاف عون والصراع الدائر حالياً على المنصب الرئاسي. وتعتبر هذه الشخصية أنّ لبّ المشكلة هي في القدرة على الفصل بين القائد من جهة والجيش من جهة ثانية، لانه منذ ان تم طرح اسم قائد الجيش كخليفة للرئيس السابق العماد ميشال عون، بدأت الاستهدافات له (وهو امر مقبول في السياسة)، ولكن من الصعب فعلاً التمييز بين القائد والجيش طالما انه يتولّى مهامه على رأس المؤسسة العسكريّة.
من هنا، ترى الشخصيّة نفسها، ان الجميع صادق في اعتبار الجيش الملجأ وورقة الخلاص للبنان، وهو الوحيد الذي لا يزال يحظى بثقة القريبين والبعيدين من الدول العربية والاجنبيّة، ولكن الانتقادات للجيش انما كانت تستهدف قائده، وبالتالي فإنّ المسألة اخذت طابعاً مغايراً للمقصود منها، لأنّه كيف يمكن الفصل بين القائد والجيش طالما ان الاوامر تصدر عنه؟ وتوقعت الشخصية ان تستمر الانتقادات ولو بشكل أخفّ للمؤسسة العسكريّة، انطلاقاً من المعيار الذي تمّ تحديده آنفاً، الى حين وضوح الصورة في ما خص مستقبل العماد جوزاف عون، لجهة وصوله الى قصر بعبدا ام ابتعاده عنه بشكل نهائي، وعندها سيتوحد الموقف اللبناني العام من الجيش، وسيعود الى صورته الموحّدة (بكسر حرف الـ ح) والجامعة التي تظلّل اللبنانيين، ولن يكون هناك من اصوات شاذّة تتهمه بالتحيّز او التمييز او التقاعس عن القيام بواجبه، فيما الواقع يظهر بما لا يقبل الشك ان سحب الجيش من المعادلة اللبنانية من شأنه التأكيد على زرع الفوضى الشاملة والفلتان الكلّي الذي سيدمّر لبنان.
وترى الشخصية ايضاً ان تلبّد المشهد الرئاسي، لا يصب في خانة قائد الجيش، فهو في الوقت نفسه صديق وعدو (بالمعنى السّياسي للكلمة) حتى للاصدقاء، في ظلّ وجود مرشحين آخرين تمّ تبنيهم بالعلن، ومنهم من تمّ تبنيه بالسر، ووجوده بين هذه الاسماء يضع الآخرين في حرج، فلا بد عندها من استهدافه بطريقة غير مباشرة، ايّ عبر الجيش. ولعل خير دليل على الحرج الذي تشعر به القيادات والشخصيات اللبنانية، هو اعلان معظمهم بأن لا مشكلة لديهم في رؤية العماد على الكرسي الرئاسي، الا ان احداً لا يعلن تبني ترشيحه بشكل مباشر وواضح وعلني، لا بل يقفون الى جانب مرشحين آخرين ما يعني حكماً ابتعادهم عن هذا المرشح العسكري. وتؤكد الشخصية السياسية ان حظوظ العماد جوزاف عون لا تزال قائمة، وانها عرضة للتقدم والتراجع وفق الظروف السياسية والاتفاقات التي تنسج بين الاطراف الخارجية والمحلّية، على الرغم من كل ما يتم الترويج له، فيما المشكلة الابرز تبقى في تأمين بديل له على رأس المؤسسة العسكريّة عند انتهاء ولايته في شهر كانون الثاني المقبل، اذا لم يكن هناك من رئيس للجمهورية، لانّ البقاء في هذه المراوحة ستمنع حتماً تولي ايّ ضابط المهام التنفيذية لقائد الجيش، اما اعتماد حلّ مماثل لحلّ حاكميّة مصرف لبنان، فبعيد بعض الشيء لان الظروف مختلفة والقوانين كذلك، والتعقيدات كثيرة في هذا المجال.