في الأسابيع الماضية، طغى الحديث عن التوترات الأمنيّة على أيّ أمر آخر، خصوصاً أنّ البلاد كانت قد شهدت مجموعة من الأحداث الخطيرة، أبرزها ما حصل في مخيّم عين الحلوة وبلدة الكحالة، حيث ذهب البعض إلى طرح سيناريوهات حول إحتمال أن يكون ذلك من ضمن مخطّط هدفه التأثير على الإستحقاق الرئاسي.
مصدر هذه السيناريوهات، هو القراءة القائمة منذ تاريخ دخول البلاد مرحلة الشغور، بعد إنتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، حيث هناك من يروّج لنظريّة أن التسوية لن تأتي على البارد، وبالتالي المطلوب بعض التصعيد الذي يقود بعض الأفرقاء المحليين إلى تقديم تنازلات، بالرغم من المؤشرات التي تؤكد أن هؤلاء الأفرقاء، في هذه الحالة، سيبادرون إلى التشدد أكثر.
على الرغم من الخطاب التصعيدي الذي رافق حادثة الكحالة، في الأسبوع الماضي، ترى مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أن هناك بعض المؤشرات التي تستحق التوقف عندها، أبرزها عدم سعي أي جهة خارجية إلى محاولة إستغلالها بشكل واضح، وبالتالي العمل على إستثمارها لتفجير الإستقرار الأمني، ما يؤكّد أن ليس هناك من قرار خارجي بهكذا توجه، ما يعني أنّ التصعيد الداخلي لن يخرج عن الإطار التقليدي، الذي لا يستطيع تغيير المعادلة القائمة.
بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا التوجه الخارجي يعود بالدرجة الأولى إلى التوازنات القائمة على المستوى المحلّي، لكنه في المقابل لا يلغي فرضيّة زيادة الضغوط على الأفرقاء اللبنانيين، في الفترة المقبلة، الأمر الذي كان قد ألمح إليه بيان اللجنة الخماسيّة التي اجتمعت في الدوحة، ويمكن وضع العقوبات على الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة في إطاره كرسالة، لكنّها تشدّد على أنّ هذه الضغوط ستبقى ضمن حدود معيّنة، بغضّ النظر عمّا يطمح إليه البعض في الداخل، إلا إذا حصلت تطورات مفاجئة غير متوقعة.
في مقابل الخطاب التصعيدي، الّذي كان قد تراجع في الأيّام الماضية، هناك معطى آخر، تمثل بدور المؤسسة العسكريّة في ضبط ما حصل في الكحّالة، بعد أن كانت لعبت دوراً كبيراً أيضاً في ضبط الأحداث التي كان قد شهدها مخيّم عين الحلوة، الأمر الذي دفع بالكثيرين إلى الإشادة بطريقة تعاملها مع التطورات، بالرغم من الظروف الصعبة على المستوى الإقتصادي، لكن في المقابل طرح مخاوف كبيرة من إحتمال الوصول إلى الفراغ في قيادة الجيش، قبل إنتخاب الرئيس المقبل.
في هذا الإطار، تشير المصادر السّياسية المتابعة إلى أنّه في الأشّهر الماضية طرح البعض حداً فاصلاً لإنجاز الإستحقاق الرئاسي هو إنتهاء ولاية سلامة، على قاعدة أن ليس هناك من هو في وارد المغامرة بإنتقال الفراغ إلى حاكميّة مصرف لبنان، إلاّ أنّ هذا الأمر تمّ تجاوزه من خلال الإتفاق على طريقة إدارة الحاكميّة، عبر تسلّم نائب الحاكم الأول وسيم منصوري الصلاحيات، الأمر الذي قد يكون من الصعب حصوله على مستوى قيادة الجيش.
من وجهة نظر هذه المصادر، التوترات الأمنيّة تدفع إلى وضع حدّ رئاسي جديد هو إنتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون، خصوصاً في ظلّ الفراغ القائم في قيادة الأركان، الأمر الذي ينعكس خلافاً في وجهات النظر حول من يتولّى القيادة، في حال إنتقال الشغور إلى قيادة المؤسسة العسكرية، وتسأل: "ماذا لو وقعت أحداثا أمنية مشابهة في ظلّ هكذا وضع، من سيكون قادراً على ضبط الشارع ومنع الإنجرار إلى الإنفجار الشامل"؟.
في المحصّلة، تشدّد المصادر نفسها على أنه بالرغم مما تقدم ليس هناك ما يمنع الأفرقاء اللبنانيين من الذهاب إلى مغامرة في هذا المجال، لكنها تستبعد أن يتمّ ذلك في ظلّ الخطوط الحمراء الدوليّة المعروفة، أما على المستوى المحلّي، فتذكر بكلام رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، الّذي كان قد سبق حادثة الكحالة، عن أننا "غير قادرين على تحمل فراغ في حاكميّة المصرف المركزي، فكيف غداً حين مواجهة الفراغ في قيادة الجيش"؟.