تنشط خلال فصل الصّيف، إقامة مخيّمات للأولاد والشّبيبة، ضمن مناطق ومساحات حرجيّة، يغلب عليها أجواء طبيعيّة رائعة، ويتمّ تقسيم المشاركين حسب الفئات العمريّة ليتجانسوا مع بعضهم البعض، ويسهّل على المسؤولين وقادة المخيّمات، وضع برامج موحّدة لتطبيقها على الأولاد من أجل افادتهم روحيًّا، وجسديًّا، واخلاقيًّا.
لهذه المخيّمات، على تنوّعها، أبعاد إيجابية كثيرة، فهي تجربة لا يمكن تفويتها على الأطفال والأولاد عمومًا. قد يفضّل الأبناء المخّيم الذي يلتقون فيه مع أصدقاءهم، ولكن ينصح الإختصاصيون تشجيع الأبناء على تجربة مخيم جديد يساعدهم على اكتساب مهارة بناء علاقات جديدة والتواصل مع أشخاص جدد.
كانت لي الفرصة، مؤخرًا، أن أطّلع على نشاطات وبرامج المخيّمات التي نظّمها مركز جبل لبنان في حركة الشّبيبة الأرثوذكسيّة، كنموذج لهذه المخيّمات الصيفية. لفتني اندفاع الشّبيبة المسؤولين عن تنظيم هذا المخيّم، على كافّة الأصعدة والمستويات. فمخيّمات كهذه، لم تقم بسحر ساحر. فالتحضيرات لها وتمويلها ووضع برامجها البنّاءة والشيّقة، أتى نتيجة جهد سنة كاملة، حرص القيّمون على تنفيذها بأدقّ التّفاصيل، لكي تأتي بثمارها المرجوّة على الجميع. فهؤلاء الشّبيبة كرّسوا من أوقاتهم لإنجاحها، كما لم يتأخّروا عن تقديم الدّعم المادّي من مدخولهم الخاص، بالإضافة إلى سعيهم لجمع التبرّعات العينيّة والمادّية للمصاريف اللّوجستيّة والتّنظيمية. جلّ أهدافهم هو أن ينقلوا البشرى السّارة للمشاركين، وأن يعيشوا حياة الشّركة الحقيقيّة بين الأخوة، أعضاء الكنيسة، كبارًا وصغارًا، ناسين وضع البلد وتحدّياته وصعوباته، وواضعين نصب أعينهم اهدافًا سامية.
لهذه المخيّمات حسنات كثيرة، رغم بعض المخاطر العامّة. من أولى حسناتها إتاحة الفرصة للولد العيش في أجواء الطبيعة، وممارسة رياضة المشي، وأنواع رياضات أخرى، وبالتالي الابتعاد عن عالم التّواصل الاجتماعي والتّقنيات الحديثة التي سرقت عقول أولادنا ومنعتهم من ممارسة أي نوع من أنواع الرّياضة خارج المدرسة والنّوادي. كما من شأنها تقليص الخجل عند الولد أو الطّفل، إذا كان خجولًا، فالنشاطات مثلًا كانت ترتكز على اللّعب الجماعي أو ممارسة رياضة تتطلّب التّعامل مع منافسين.
ومن الإيجابيّات أيضًا، أن يتعلّم الأولاد معنى العمل الجماعي والتّطوّعي، رغم أنه يكتسبها في المدرسة، إنما في المخيّم يتعلّم الأولاد احترام قوانين الحياة الاجتماعية بإشراف متطوّع. والطفل في المخيّم يكتسب مهارة كيفيّة تدبير نفسه دون الاتّكال على الأهل ببعض الأمور الشّخصية، وتمنحه ثقة بالنفس.
قد يشعر الأهل بالاشتياق لأولادهم الغائبين، فيصبحون أكثر تسامحًا معهم، مع تسجيلي ملاحظة تكمن بقيام الأهل بزيارة تلقائيّة للمخيّم دون استئذان المسؤولين، للاطمئنان على أولادهم، وتعبيرًا عن شوقهم لهم، الأمر الذي يؤثّر سلبًا على أبنائهم وباقي الأولاد، ويخلق بلبلة في صفوفهم. لذا على الأهل والأقارب أن يعوا المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتق القادة المسؤولين، وبالتالي احترام قوانين المخيّم التي تسمح للأهل المشاركة في السهرة الختامية (سهرة النار) فقط، وبعدها يمكنهم اصطحاب أولادهم معهم.
قد يطول الكلام في إيجابيات المخيّمات الصّيفية، التي يسعى القادة على تنفيذ برامجها بدقّة والانتباه على صحّة الأولاد النّفسية، والجسديّة، والرّوحية، وتحديدًا الأخلاقيّة، حيث من الممكن أن يشترك أولادٌ لا يطبّقون القوانين، فيستغلّون أولادًا آخرين من أجل متعتهم الخاصّة، فيبادر المسؤولون إلى إرسال هؤلاء الأولاد إلى بيوتهم، وإعلام أهلهم والمسؤولين عنهم بالتّفاصيل، لاستدراك الأمور.
تحدّيات كثيرة يعيشها الأولاد مع قادتهم في المخيّمات الصّيفية، ولكنّها تحديات إيجابيّة، تدرّب الولد على أنماط أخرى من الحياة اليوميّة، خارج إطار الحياة البيتيّة التقليديّة.
فشكرًا لكل من عمل وعلّم لإنجاح هذه المخيّمات، ألا بارك الله بجهودهم وهمّتهم وتفانيهم وتطوّعهم المجّاني، في خدمة النّشىء الصّاعد، الذي يسعى القيّمون على تحصينه روحيًّا، وأخلاقيًّا، وجسديًّا، في مواجهة الرّذائل والفساد الأخلاقي والاجتماعي التي بات سمة العصر الحديث، والسلام.