في الوقت الراهن، كل المؤشرات تصب في إطار فشل الحوار الذي كان المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان قد ذهب إليه، في زيارته الثانية إلى بيروت، خصوصاً بعد السهام الكثيرة التي كان قد تعرض لها في الأيام الماضية، ما يعني أنه لن يكون قادراً على فتح كوة في جدار الأزمة، مع العلم أن الدور الفرنسي كان في الأصل قد تحول إلى مادّة إنقسام داخلي.
هذا الفشل، يدفع إلى طرح علامات إستفهام حول البديل عنه، خصوصاً أن المشكلة لا تبدو مرتبطة بجنسية الطرح، فمعظم الكتل المعارضة كانت واضحة في رفضها مبدأ الحوار مع "حزب الله" وحلفائه، لكنها في المقابل تعمدت إرسال أكثر من إشارة حول أن المطلوب تبدلاً في سلوك الفريق الآخر، ينطلق من معادلة التخلي عن ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، الأمر الذي لا يزال يرفضه ذلك الفريق، تحديداً "حزب الله" و"حركة أمل".
في قراءة مصادر متابعة لمسار الإستحقاق الرئاسي، أصل الأزمة يكمن بأنها ترتبط بالتطورات القائمة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبالتالي المعالجة ترتبط بقرار يأتي من الخارج يتم تنفيذه بأدوات داخلية، لكن في ظلّ عدم وضوح الصورة بشكل نهائي، خصوصاً على مستوى المنطقة، من الصعب تصور الوصول إلى حلّ، وهو ما يبرر تحوّل هذا الإستحقاق إلى ما يشبه البورصة، التي تتبدل فيها التوقعات بين لحظة وأخرى.
بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا الواقع لا يمكن أن يكون مجهولاً من قبل الجهات الخارجية المؤثرة، بغض النظر عن مواقفها التي تصبّ في إطار تحميل الأفرقاء المحليين المسؤولية عنه، عبر السعي إلى التشديد على أن هؤلاء الأفرقاء هم الذين من المفترض بهم البحث عن الحلول المناسبة، بدل الإستمرار في الرهان على التحولات الخارجية، خصوصاً أن تلك الجهات منخرطة بالصراع اللبناني منذ سنوات طويلة.
إنطلاقاً من ذلك، تدعو المصادر نفسها، عبر "النشرة"، إلى التركيز على ما يحصل في المنطقة من تطورات، لمعرفة ما إذا كانت الأمور، في المرحلة المقبلة، ستتجه إلى المزيد من التصعيد أم أن هناك تسويات قد تعقد، وبناء عليه يمكن فهم مسار الأزمة اللبنانية بشكل أوضح، لكنها في المقابل تعرب عن خشيتها من دخول مختلف الملفات مرحلة التجميد، بإنتظار الإنتهاء من الإنتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني من العام 2024.
بالنسبة إلى مصادر نيابية مطلعة، من الصعب تصور تأجيل حسم الإستحقاق الرئاسي إلى ما بعد الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، نظراً إلى أن لبنان لا يستطيع تحمل فترة إنتظار تتجاوز العام، وبالتالي معالم الحل من المفترض أن تظهر قبل ذلك، وهو من الممكن أن يقوم على أساس "تقاطع" مصالح القوى الخارجية على ضرورة الحفاظ على الإستقرار المحلي، بدل أن يكون عبارة عن حل شامل لا يمكن حصوله بعيداً عن باقي ملفات المنطقة.
من وجهة نظر هذه المصادر، هذا التقاطع من المفترض أن يتم قبل نهاية ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون، بداية العام المقبل، على إعتبار أن هذا الإستحقاق هو التحد الأبرز الذي يفرض نفسه على الواقع اللبناني، نظراً إلى دور المؤسسة العسكرية في الحفاظ على الحد الأدنى من الإستقرار المحلي، وهي من المؤكد لن تكون قادرة على لعب هذا الدور بالشكل المطلوب، في حال إمتداد الشغور إلى قيادتها، الأمر الذي، على ما يبدو، مرفوض من القوى المؤثرة داخلياً وخارجياً.
في المحصّلة، ترسم المصادر نفسها بعض السيناريوهات، التي من المفترض أن تظهر معالمها في الشهر المقبل، تبدأ من إدخال تعديلات على مهمة لورديان، كي تبقى المبادرة الفرنسية قائمة، بالإضافة إلى إحتمال بروز معالم تسوية من الممكن أن يكتب لها النجاح، لا سيما إذا ما حصلت على دعم خارجي قوي، ولا تنتهي عند إحتمال بقاء الأمور على ما هي عليه طويلاً، لكنها في جميع السيناريوهات تتحدث عن موجة من التصعيد ستكون هي سيدة الموقف، حدتها ستكون مختلفة بحسب كل سيناريو.