اذا صحت المعلومات المنتشرة عن ان الحاكم السابق لمصرف ​لبنان​ ​رياض سلامة​ قد عمد الى تهريب اصبع تخزين الكتروني للمعلومات "فلاش ميموري" الى خارج لبنان، فإنّ الموضوع يمكن البناء عليه لتأكيد أمرين: الاول ان لدى سلامة ما يخفيه وان المتورطين معه على قدر كبير من الاهمّية والمسؤولية والخطورة، والثاني انه يشعر بالفعل انه بات "كبش محرقة" وفضّل -على غرار ما نشاهده في الافلام وخصوصاً منها الجاسوسية- ان يؤمّن على حياته، ليس من خلال شركة تأمين كما يفعل الجميع، بل من خلال نقل المعلومات الى خارج لبنان والتهديد بنشرها عند حصول أيّ مكروه له.

تسريب مسألة "فلاش ميموري" ليس بريئاً بطبيعة الحال، وهو يعني ان التحقيقات الدولية بحق سلامة ومن رفعت دعاوى بحقهم للاشتباه بالشراكة معه، قد تأخذ طريقها الى المحاكم، ولكن وفق ما يتردّد في صالونات السّياسة اللبنانيّة، فإنّ الدعاوى لن تكون جميعها في قاعة المحكمة، بل سيحضر منها عدد قليل، ما يكفي لتشكيل صفعة على يد سلامة، من دون إلحاق الاذى به او بمن يمكن ان تكشف اسماؤهم من المسؤولين والفاعلين على الساحة اللبنانية.

اما الكلام عن إمكان تعرّضه لخطر جسدي، فلن يكون هناك من داع له، وفق ما سبق ذكره، اذ سيتم حل المسألة بأقل قدر ممكن من الخسائر، ومن دون الحاجة الى تدخّلات من النوع الذي يهدّد الحياة، فيما تبقى الفرضيّة الاكثر تداولاً قائمة على ان يتم اخراجه الى احدى الدول لقضاء بقية ايام حياته بعيداً عن الانظار والاتهامات و... الخطر. ووفق هذا السيناريو ايضاً، ليس من المفيد ان يبقى الحاكم السابق ل​مصرف لبنان​ داخل الاراضي اللبنانيّة، وذلك لتخفيف وطأة وجوده من جهة، ولمساعدة اللبنانيين على نسيان ما حصل وتخطّي حقبة ولايته ولو امتدت لنحو ثلاثة عقود كاملة، فبقاؤه سيبقي فتيل الاموال المنقولة الى خارج لبنان وما حكي عن هدر وتهريب للدولارات، حيّة في ذاكرة الجميع، فيما الهدف هو العمل على تخفيفها الى حدّ النسيان، وهو ما لن يمكن القيام به في ظلّ تواجده داخل الربوع اللبنانية.

ولكن السؤال الاهم يبقى في فائدة "فلاش ميموري" بالنسبة الى لبنان واللبنانيين، فإذا كانت المسألة تتعلق بأموال خارج لبنان تمّ تهريبها او بمواضيع هدر وفساد تطال المسؤولين والنافذين اللبنانيين، فقد يكون هنا من بصيص امل لتحقيق شيء ما، اما اذا كانت الامور مقتصرة على الداخل اللبناني، فلن تكون المعلومات المخزّنة قادرة على تغيير شيء، وهذا ما شاهدناه ولمسناه لمس اليد في العديد من الفترات، وآخرها بعد انتشار تقرير التدقيق المالي الصادر عن شركة "الفاريز ومارسال"، والذي مرّ مرور الكرام بعد ان كان يشي بالويلات بالنسبة الى من سيعلن عن اسمائهم، فإذا به قد اصبح في دهاليز التاريخ ولا من يسأل عنه، فما الذي ستغيّره المعلومات الموجودة على "فلاش ميموري" اذا بقيت المسألة في الحدود الجغرافية اللبنانيّة؟ في الواقع لا شيء، وسيتم اللجوء الى قاعدة "عفا الله عما مضى" و"لنبدأ بفتح صفحة جديدة"، فتغفر الذنوب من دون توبة احد، وهذا اقسى ما يمكن ان تصل اليه الامور.

قد يكون الحاكم السابق لمصرف لبنان قد ارتكب خطأ في التأمين على حياته عبر "فلاش ميموري"، الا اذا كانت المعلومات التي يختزنها هذا الاصبع الالكتروني قادرة على تجييش دول خارجية لاسترداد حقّها، وعندها قد تكون ​العقوبات​ وربما قرارات المحاكم قادرة على الحاق الاذى المعنوي والمادّي بهؤلاء، فيذوقوا ما اذاقوا به اللبنانيين على مدى سنوات طويلة.