منذ بداية الحرب السورية، كان لبنان يواجه تدفق النازحين السوريين الفارين من العنف والباحثين عن الأمان على أرضه. هذا التشرد الجماعي أثر بشكل ضارٍ جدًّا، وساهم في المزيد من تدهور اقتصاد البلد الهش بالفعل ودفعه إلى أزمة اقتصادية عميقة حادة.
فماذا ستكشف الأرقام والإحصائيات التي تسلط الضوء على تطور وزيادة عبء أزمة النازحين السوريين في لبنان؟ وكيف مارست وتمارس المنظمات الدولية ارهابها الفكري والعنصري والمالي مع بعض الدول الغربية بالضغط على البلد الصغير لابقاء الغرباء عبئًا سامًّا على المجتمع اللبناني في ظل تواطؤ سياسي لبناني، وهل من حلول محتملة للتخفيف من هذا الوضع الصعب؟!.
مع تصاعد النزاع السوري في عام 2011، فتح لبنان أبوابه على مصراعيها أمام النازحين السوريين من دون أي مراقبة وضبط فعلي لهذا النزوح، مُظهرًا حسن الضيافة والرأفة. ومع ذلك، فقد فرض هذا التدفق غير الطبيعي ضغوطًا على موارده وبنيته التحتية وسوق العمل. وقد وضع وجود أكثر من 1.5 مليون نازح، ما يعادل ربع سكان لبنان، ضغوطًا هائلة على اقتصاد البلاد.
لا يمكن التقليل من تأثير الأزمة السورية الطارئة على الاقتصاد اللبناني. ووفقًا لتقرير من البنك الدولي، كلّفت هذه الأزمة لبنان خسائر تقديريّة تبلغ 18.15 مليار دولار من عام 2012 إلى 2018. وهي تعادل حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي للبنان في عام 2019. وقد كانت الضغوط على الخدمات العامة، مثل الرعاية الصحّية والتعليم وإمداد المياه، مُرهقة للغاية. وقد ساهم تدفق النازحين أيضًا في زيادة الطلب على الإسكان، مما أدّى إلى ارتفاع أسعار الإيجارات، وجعلها غير معقولة لكل من النازحين والمواطنين اللبنانيين.
علاوة على ذلك، فاقم النزوح على الأزمة الاقتصادية المتدهورة في في بلد كان يواجه بالفعل مستويات عالية من الدين العام والاقتصاد الراكد وعدم الاستقرار السياسي. مما أدى إلى انكماش اقتصادي وتجاري حاد.
في عام 2019، تراجع الناتج المحلي الإجمالي للبنان بنسبة 6.9%، وفقدت عملته أكثر من 80% من قيمتها منذ نهاية عام 2019. وارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير، خصوصًا بين الشباب اللبنانيين، حتى بلغت نسبة مرعبة تجاوزت 35% في عام 2020، ناهيك عن نسبة الهجرة الضخمة بشكل لم يشهدها اللبنانيون سابقا أبدا.
اضافة الى كل ما سبق ذكره، تمارس المنظمات الدولية وبعض الدول الغربية ولا تزال حتى اليوم ارهابها المالي والاقتصادي على البلد المُرهق بسبب فساد سياسييه وسرقة معظمهم لموارد الدولة والسيطرة عليها على طريقة كبريات المافيا والعصابات العالمية، وكثرت الضغوط لاستمرار ابقاء النازحين داخل حدوده بكل وقاحة. مما يثير المخاوف من تقويض الإستقرار في المنطقة مع انعدام وجود أي حلول سياسية دائمًة للصراع السوري. ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد على لبنان لتحمّل أعباء الأزمة ليس مستدامًا. فالبلد بحاجة ماسة إلى الدعم الدولي والمساعدة الماليّة للتخفيف من الحِملِ البغيض على اقتصاده وبنيته التحتية، والا فإنّه حتمًا يسير باتجاه الارتطام الضخم والكبير والانفجار الّذي قد ينعكس على المنطقة والاقليم برمّته.
لمعالجة هذه المشكلة المعقدة، يتطلب الأمر نهجًا شاملاً. أولاً، يجب على المنظمات الدولية والدول الغربية أن تزيد من مساعدتها الماليّة للبنان والكف عن تحريض النازحين على اللبنانيين، وتقديم الدعم المالي وبشكل متزايد لتخفيف هذا العبء كما فعلت مع تركيا والاردن وغيرهما من البلدان المضيفة، وتوفير التمويل الضروري لدعم البلاد عبر تقديم الخدمات الأساسية للسوريين والمواطنين اللبنانيين على حدّ سواء وليس بالابتزاز كما تفعل المنظمات الدولية بالنسبة للتعليم والطبابة، الّتي تغطيّها بالكامل بالنسبة للنازح فيما اللبناني يرزح تحت عبء الضغوط اليوميّة. بالإضافة إلى ذلك، يجب بذل جهود لاعادة النازح الى بلده وتقديم المساعدة له على أرضه والعمل على مساعدة السكان المحليين، لتعزيز التكامل الاقتصادي والتقليل من الاعتماد على المساعدات.
علاوة على ذلك، تُعدّ الحلول السياسية للنزاع السوري من الأمور الأساسية. يجب على المجتمع الدولي تكثيف جهوده لإيجاد السلمية منها، ويسعى من خلالها لعودة النازح إلى وطنه بأمان وبشكل يضمن للبناني عدم توطينه كما تسعى المنظمات الدولية والدول الغربية بمن فيهم الاتحاد الاوروبي لتوطينهم في لبنان، ممّا سيتيح ذلك ليس فقط التخفيف من العبء على هذا الوطن الصغير، بل سيمكّن السوريين أيضًا من إعادة بناء حياتهم والمساهمة في إعادة إعمار بلادهم.
في الختام، فقد كان لوجود النازحين السوريين في لبنان منذ بداية الحرب السورية الأثر السلبي الكبير على اقتصاد وأمن البلاد، إن كان بالضغوط على الموارد والبنية التحتيّة وسوق العمل، الّذي أدى إلى وضع مأزوم عميق. حيث فقط من خلال الجهود يكون مخرج لهذا النفق المظلم من هذا الوضع وضمان مستقبل مستدام للسوريين... ولكن هل تجرؤ أي حكومة لبنانيّة على القول لا للمجتمع الدولي لأنّ أمن واقتصاد لبنان وشعبه فوق كل اعتبار، أم أنّ أهل السياسة من الفاسدين سيكونون على مواعيد جديدة من المساومة على الشعب وأمنه الاجتماعي؟!.