تشكل المدارس في عصرنا الراهن، مركز استقطاب لمختلف الحركات السياسية. كما وتُعول عليها الثورات والحركات التغييرية، وكذلك يُنظر إليها أيضا كخزان بشري مُلتهب، قابل للاشتعال وفق الرزنامة السياسية المعدة له...
فهل يمكن تحويل المدارس والمؤسسات التربوية، إلى منصة تفكُر مُتواصل، لرسم مُستقبل أفضل للأُمة؟
النموذج النيجري
تُعد النيجر، الشاهدة على هجمات دامية عدة، منذ انقلاب 26 تموز 2023، الذي أطاح الرئيس المنتخب محمد بازوم، نموذجا غنيا بأفق التأمل، في التعاطي "الثوري" مع المدارس، في عصرنا، كما وفي سبل التحكم بها!...
يقول جان بيار أوليفييه دو ساردان، المدير الفخري للأبحاث في "المركز الوطني للبحث العلمي"، والباحث في "لاسديل" (أي مختبر الدراسات والأبحاث حول الديناميات الاجتماعية والتنمية المحلية)، إن المتطرفين "لا يسعون إلى الاستيلاء على السلطة الرسمية، بل يمارسون شكلا من الحكم غير المباشر والسيطرة الاجتماعية على مناطق واسعة". وهو نفوذ يترجم بصورة خاصة في إغلاق المدارس الابتدائية والثانوية في منطقة الساحل النيجري!.
وقد أُغلق حوالي 890 مدرسة في آب 2022، بسبب "انعدام الأمن في مناطق النيجر الأربع"، الأكثر تضررا من الهجمات، ومنها "تيلابيري"، وفق تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).
وفي أيار 2023، أشارت وزارة التعليم في النيجر، إلى أن أكثر من 900 مدرسة لم تعد تعمل في منطقة "تيلابيري" وحدها.
"الحراك" في لبنان
وأما في لُبنان، فكانت المدارس بدورها تحت تأثير النبض الثوري في الشارع في العام 2019 وما بعده. كما وكانت أيضا عُرضة لكل الحركات المطلبية، شأنها في ذلك شأن تأثير "الحراك الشعبي" وسيطرته، وكذلك الظروف الأمنية... ما يشكل نموذجا أكثر وضوحا، وأشمل من حيث الآفاق، لما يُجرى الآن في النيجر.
ظاهرة الفساد المُستشري
إن أخطر ما يتولد عن ظاهرة الفساد، هو ذلك الخلل الذي يصيب خُلقيات البشر وقيم المُجتمع، ما يؤدي لى شُيوع حال ذهنية لدى الأفراد، تبرر الفساد، وتجد له من الذرائع ما يُبرر استمراره...
وينسحب هذا النمط التحليلي للواقع، على المتعلمين، ما يحتم تاليا توجيههم لتعزيز عنصر المُمانعة، واستِنهاض روح المسؤولية المُجتمعية لديهم.
بيد أننا، واقعيا وعمليا، نُبرر في تصرفنا هذا ظاهرة الفساد، وكذلك ندفع بأبنائنا إلى البقاء أسرى أخطائنا... وتاليا نجرُهم إلى الشارع، لاكتساب مفهوم مُشوه للتغيير، بهامش كبير من العبثية!...
وبذلك ننسى أهمية التربية على احترام القوانين، واعتمادها مجالا لتغيير الواقع.
وفي هذا الإطار يقول جون لوك: "القانون هو أساس الحُرية، ولا يمكن لأي مجتمع أن يعيش من دونه".
وكذلك يرى توماس هاردي، أن "القانون هو سيف العدالة الذي يحمي الأبرياء، ويُعاقب الأشرار".
ولا داعي للاستشهاد أكثر في هذا المجال...
كما وأن أَخطر الأمثلة، أن تكون ثمة بيئة مُلائمة تحضن الفساد وتحمي الفاسدين. ونحن في لُبنان، نشكل للأسف تلك البيئة!.
إن مكافحة الفساد في الأنظمة الديمقراطية، هي عملية مستمرة ودائمة، لأن النظام الديمقراطي يفترض مما يفترض، انتخابات حرة ونزيهة. وتلك، قد تكون فرصة لإزاحة المفسدين.
كما وتفترض فصلا بين السلطات، للحد من استغلال النفوذ.
وتتطلب أيضا قضاء مُستقلا ونزيها، يعمل على تطبيق القانون لا على خرقه، ويحمي الأفراد والجماعات من التسلط ونهب الأَموال العامة... فهل عدة الشغل هذه موفورة عندنا؟.
إن الانحطاط الاجتماعي الذي بتنا نعيشه اليوم، ينسحب على مختلف المستويات، وضمنا على التربية والتعليم.
وقد بات اللا منطق سيد كل المواقف والمواقع!.
عشية البدء بالسنة الدراسية الجديدة، هل نحن واعون لكل هذه الحقائق؟.
وهل لدينا القدرة على إيجاد سبل التحول في مدارسنا ومؤسساتنا التربوية، للانتقال من حُكم "ثوري" غير مُباشر عليها... إلى جعلها مراكز للتواصُل والوعي!