على وقع حالة الإستعصاء التي ترافق الإستحقاق الرئاسي، بات من الضروري التوقف عند مجموعة من الرسائل التي تصب في إطار أن لا حل شامل في الوقت الراهن، لا بل على العكس من ذلك، إنتخاب رئيس جديد لن يغير من معادلة أن المواجهة الأساسية ستكون في العام 2026، أي تاريخ الإنتخابات النيابية المقبلة، بعد أن كانت تلك التي حصلت في العام 2022 عبارة عن محطة فقط.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل بعض الإشارات التي تنقلها بعض وسائل الإعلام، الإقليمية والدولية، عند مقاربتها الملف اللبناني، حيث التشديد الدائم على معادلة أن لا حل إلا بعد تغيير الطبقة السياسية الحاكمة، التي توصف بالفاسدة والعاجزة عن القيام بأي خطوات إصلاحية، بالرغم من كل الدعوات الخارجية التي توجه لها بهذا الخصوص.
ضمن هذا الإطار، تضع أوساط مراقبة، عبر "النشرة"، العقوبات التي فرضت على الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، في الأيام الماضية، من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، والتي جاءت تحت عنوان مكافحة الفساد، بالرغم من أن سلامة كان يعتبر من الشخصيات المحسوبة على الدول الغربية، لا سيما أميركا، الأمر الذي فتح الباب أمام أسئلة حول إمكانية أن تفرض عقوبات أخرى على شخصيات جديدة، تحت العنوان نفسه.
ما تقدم، بحسب الأوساط نفسها، يتعزز من خلال التسريبات الإعلامية المتكررة لإحتمال فرض عقوبات على رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بالرغم من أن الكثيريين يستبعدون ذلك بسبب موقعه على رأس السلطة التشريعية، بالإضافة إلى موقعه السياسي، مع العلم أن العقوبات التي طالت سلامة تم إنتظار إنتهاء ولايته لإعلانها، بالرغم من أن الحديث عنها كان قد سبق ذلك.
من وجهة نظر هذه الأوساط، يمكن الكلام عن مسار عام، تم التأكيد عليه من خلال بعض بنود بيان إجتماع اللجنة الخماسية، الذي عقد مؤخراً في الدوحة، لا سيما لناحية التلويح بالذهاب إلى إجراءات عقابيّة تطال معرقلي الإستحقاق الرئاسي، إلى جانب تحديد مواصفات من المفترض أن تنطبق على الرئيس المقبل، أبرزها أن "يجسد النزاهة ويوحد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول، ويشكل ائتلافاً واسعاً وشاملاً لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية".
هذا الواقع، يتأكد من خلال الأسئلة التي تُطرح حول إمكانية الذهاب إلى تلك الإجراءات العقابية، في حال فشل مبادرة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، الذي من المفترض أن يزور لبنان الشهر المقبل، في إطار السعي إلى فرض ضغوط على الأفرقاء اللبنانيين للذهاب إلى حلول معينة، بالرغم من التأكيدات بأن ذلك لن يقود إلى أي معاجلة، بل سيعقد الأزمة الرئاسية أكثر.
على هذا الصعيد، تؤكد الأوساط المراقبة أن هناك قراءة، يتم التداول بها في بعض الأروقة اللبنانية، بالرغم من أن البعض يعتبرها غير منطقية في حال الوصول إلى تسوية رئاسية، مفادها بأنه حتى ولو تم إنتخاب رئيس جديد فإن المواجهة على الساحة المحلية ستبقى قائمة، في إطار تمهيد الأرضية نحو الإنتخابات المقبلة في العام 2026، حيث الرهان على تبدل أكبر في توازنات البرلمان، في حال لم يصار إلى إنتخابات مبكرة قبل هذا الموعد.
بالنسبة إلى هذه الأوساط، هذا المسار سيتأكد في حال عدم الوصول إلى تسوية شاملة للملف اللبناني، الأمر الذي لا يبدو وجود مؤشرات جدية عليه، حيث الإحتمالات لا تزال تدور بين خيارين: الشغور الطويل في ظل التعقيدات الداخلية والخارجية، أو التسوية المرحلية التي تثبت التوازنات الحالية، على إعتبار أن الأولوية، في حال إنطلاق مسار التسويات على مستوى المنطقة، ستكون لملفات أكثر أهمية، بالنسبة إلى اللاعبين المؤثرين.
في المحصّلة، توضح الأوساط نفسها أن نجاح هذا المسار يتطلّب، قبل أيّ أمر آخر، الحفاظ على الإستقرار الأمني في البلاد، نظراً إلى أنّ الإنفجار الشامل سيعيد القدرة على المبادرة إلى ملعب القوى السياسية التقليديّة، وهو ما يبرر الحرص الدولي على دعم المؤسسات العسكريّة والأمنيّة، بالرغم من إرتفاع مستوى الضغوط التي تواجهها هذه المؤسسات، حيث من المرجح أن يرتفع أكثر في الفترة المقبلة.