لم يكن من المنطقي الدخول في السجالات التي دارت منذ فترة حول فيلم "باربي" في لبنان، والحوارات المذلّة التي رافقته بين مسؤولين من المفترض ان يتعاطوا بطريقة منطقيّة سليمة مع بعضهم ومع باقي اللبنانيين. بداية، من المهم جداً الا ينصّب احد نفسه دياناً على الناس، وان يترك هذا الامر لله وحده، كما انه من المهم جداً الاّ تكون الحرية منفذاً يتم استغلاله لـ"فرض امور" على الآخرين. وعلى الرغم من انه من غير المفهوم سبب انتشار السجال حول "المثلية" بهذا الشكل غير المبرر في الآونة الاخيرة، خصوصاً وان الموضوع ليس حديث العهد والحديث عنه يتم بشكل دوري، والانقسام حوله متجذر في لبنان كما العالم اجمع، الا انه لا بد من التطرق الى بعض النقاط التي يجب ان نتلاقى حولها جميعاً، والتي تحترم بشكل خاص المعتقدات الدينية والانسانية للجميع:
1-يجب التعاطي مع الجميع من منطلق انساني، فالمثلي هو انسان، واذا كنا نرفض ممارساته وما يقوم به، فهذا لا يعني انه فقد انسانيته ويجب بالتالي التعاطي معه بوحشية واحتقار، واذا كان القانون اللبناني يمنع المثليّة وممارساتها، فهو لا يدعو الى الاعتداء اللفظي او الجسدي على أيّ مثليّ، المحميّ كما غيره بالقوانين. ويمكن لمن يرغب، مقاطعة المثليين وعدم التحدّث اليهم اذا ارتأى انه بذلك "يحمي" نفسه وعائلته ومجتمعه، فله الحرية بذلك ولن يردعه احد.
2-لا يجب الاستقواء على احد، لا بالقول ولا بالفعل. ولمن يستقوي على الناس "العاديين المثليين" او الذين يدافعون عنهم نسأل: كيف تم قبول اعتماد سفيرة كندا السابقة في لبنان ايمانويل لامورو التي التقت جميع المسؤولين اللبنانيين، وقد تحكّمت بالعلاقات بين بلدها ولبنان على المستويات كافة بتفويض من السلطات الكنديّة وبموافقة لبنانيّة؟ الم تكن مثليّة؟ لماذا لم تتعرض للتوبيخ والتحقير والتحذير؟ أمّ ان الدبلوماسيين مثليّون "درجة اولى"؟.
3-كثيرون في لبنان والخارج، يعتبرون المثليين خطراً على المجتمع والبيئة، ولهم كامل الحق في ذلك، كما ان الديانات ترفض ممارسات هؤلاء، اذا ما كانت من اجل المتعة فقط ومواكبة "الموضة"، ولكن ما العمل اذا كان هناك من خلل جيني لدى البعض؟ كيف يتم تحميلهم مسؤوليّة ما لا يمكنهم التحكّم فيه؟ من هنا يجب التفرقة في التعاطي مع الحالات المرضيّة ومع الحالات الخارجة عن الطبيعة.
4-هل يعلم المهاجمون الشرسون على المثليين في لبنان، انهم لو كانوا في بلد آخر لكانوا التزموا الصمت وربّما تقبلوا مزاملتهم او مجاورتهم لمثليين؟ حتماً يمكنهم عدم مخالطتهم ولكن لا يمكنهم التهجّم عليهم ما لم "يفرضوا انفسهم عليهم" او تخطّوا حدود الحريّات المكفولة للجميع.
5-هل يدرك المهاجمون انفسهم ان الترويج للمثليّة لا يقتصر على فيلم "باربي" او الافلام بشكل عام، بل يحاول البعض ادخاله في صلب الحياة اليومية للمجتمعات، و"فرض" تقبّلها لهذا الوضع والتعايش معه على انه امر طبيعي؟ اليس الاجدر بهم وضع خطط كفيلة بالتصدّي لهذه المحاولات عبر الترويج المضاد وبطرق تحترم حقوق الانسان والانسانيّة بشكل عام؟ وهل بطريقة التهجم والعنف يمكن اقناع احد المثليين باعادة النظر في حياته ومساعدته على الخروج من وضعه؟.
6-الدين يعتبر المثليّة خطيئة (مع الاخذ في الاعتبار الاسباب البيولوجيّة) ولكن لم تصنّفها الاديان على انها جريمة. فحتى المجرمون يتمتّعون وفق القوانين بحقوق معيّنة، فكم بالحري الخاطئون؟ كلّنا نرتكب الخطايا يومياً، والخطيئة متنوعة ومتشعّبة، ولكن الهدف الاسمى يبقى في العودة الى الله وطلب الغفران، فكيف نطلب المغفرة عن خطايانا وندين الآخرين لاجل خطايا ارتكبوها؟ هل نكون بذلك بالفعل قد دافعنا عن الدين ام اعطيناه صورة مشوّهة؟.
باختصار، يجب وضع حدّ للسجال الدائر حول المثليّة لأنّه نجح في الهاء اللبنانيين عن قضايا اساسية تهدد حياتهم بشكل مباشر، واذا كانت المثليّة تهدد مجتمعهم بالفعل، فالحل يكمن في وضع خطوط عريضة تكون بمثابة خط دفاع عن القيم والمبادئ، والتفرّغ لمعالجة قضايا اكثر اهميّة وخطورة على حياة اللبنانيين ومستقبلهم.