من المُؤلم استخدام المُتعلمين سواتر ترابية على الصعيد السياسي، وبناء جدار فاصل بين مفهومهم للأمور والقوانين المرعية الإجراء، والممارسات في مجالات التربية!.
وفي هذا الإطار قال نلسون مانديلا: "القانون يتطلب الاحترام، حتى وإن كان غير عادل. والإصلاح يتم بتغييره بدلا من تجاهله".
ومن نماذج "المرض العُضال"، أن تُعلن منطقة صيدا – عاصمة الجنوب الأبي – على سبيل المثال لا الحصر، "الإضراب العام في كل المدارس... للضغط من أجل تأْليف حكومة وطنية انتقالية، تُلبي مطالب الحراك"...
إقحام المتعلمين بالسياسة
إنه إقحام غير ناضج للتربية في شؤون الشارع وشجونه، فيما المطلوب أن يُعمل بموجب القوانين، باعتبارها "الحل الوحيد لإنهاء الصراعات والحفاظ على السلام في المجتمع". (مارتن لوثر كينغ). ومن ثم فإن المسألة تطرح سيلا من الأسئلة ومنها:
ألهذا الحد نحن (الناضجين)، عاجزون عن الضغط لولادة حكومية، كي نستعين بأبنائنا في المدارس ومعاهد العلم، لهذه الغاية؟.
وتاليا، كيف لنا أن ننظر إليهم، ونحن في هذا العجز الرهيب؟. وما هي صورتنا في نظرهم؟ وما المثال الذي نقدمه إليهم؟ هل من نظرة احترام سيتصدقون بها علينا، ونحن على ما نحن من عجز تام؟...
فإذا إذا كان المقصود أن ندربهم على الوطنية – كما يدعي بعض الجهابذة – فكيف نشرح لهم ما يجرى إذا كنا نحن أصلا، غير عارفين به، وحتى أن المُنساقين إلى الحراك غير مُدركين للخطوات الآيلة إلى تحقيق الأهداف المرجوة؟...
ولمصلحة من نستخدم أبناءنا متاريس في السياسة غير المحددة المعالم؟... لمصلحة الأهل وهم شركاء في المسؤوليات التربوية؟ أم المدرسة التي تترنح قيم كانت زرعتها في نُفوس المتعلمين على قارعة الطريق؟... أم لمصلحة متعلمين كل ما يهمهم أن يخرجوا من إطار جغرافي يعتقدون أنه يُقيدهم... إلى رحاب غير محددة المعالم؟...
التربية حصن مُستهدف
إن التربية من الحُصون المُستهدفة اليوم بقوة، لكونها تُجسد المُستقبل، وإنما بات المطلوب استهداف الناشئة، لاستكمال الإطباق على لبنان الرسالة!.
ولقد أثبتت التطورات الأخيرة، أننا نحتاج، إلى التمكن أكثر من مهاراتنا التحليلية – المنطقية، ومعرفة أننا أمام مُشكلة مُعينة أو مُعضلة ينبغي إيجاد حل لها. وإذا ما فشلنا في ذلك، من المرة الأولى، يُعاد تحليل الوضع، وفي ضوئه تجرى التعديلات اللازمة للانطلاق مجددا في الحل، إذ لا بأس من إعادة المحاولة أكثر من مرة...
الحصانة الخُلُقية!
وأما أبناؤنا، فهم متحصنون اجتماعيا، بقدر ما يكونون متسلحين بقيم زرعت في نفوسهم المجبولة بالطيبة والصفاء. وإنما هم استمدوا ذلك من معلماتهم ومعلميهم في المدارس التربوية التي يبذل الأهلون الغالي والنفيس... فقط كي يغتني أَبناؤهم بكنوز الحق والخير والجمال.
وعندها، يُحافط أبناؤنا على نقاوة سيرتهم، وطهارة نُفوسهم، وبياض قُلوبهم، ويتحصنون لمُواجهة السَّفاهة والحماقة، وأُفول القيم!...
جيل المعاناة الواعد
إن أبناءنا من جيل جديدٌ نشأ في المُعاناة، ورضع من حليبها حتى الفطام، وترعرع في طبيعتها الموبوءة، وتنشق هواءها المُلوث... بيد أن أبناءنا، ومن خلال بذور التربية الصالحة المغروزة في كيانهم وضميرهم، قادرون على نشر الوعي وتحقيق التغيير المرجو، إن وفرنا لهم "العدة" لذلك!.
وبعض من هُم من جيل المُعاناة، قد أيقن ما قدمه إلى الوطن من نضال، جعله يخسر الكثير من أصدقائه، بسبب الآراء السياسية والأهواء الوطنية... فيما النتيجة كانت في تربُع الكثيرين على مواقع الفساد المافيوي، وهُم مسؤولون لا مسؤولين، وخدام قادة أعلى منهم رتبة، في فساد مُنظم يسلب البلاد خيراتها، والشعب جنى كفاحه!.
فنادرا ما يصل المُؤهل إلى موقع وظيفي يمكن من خلاله أن يخدم الوطن ويرعى الشعب... حتى ولو توافرت كل الكفايات... فالأحزاب والتيارات عندنا لا تكترث لأمر مُناصريها والمُنتسبين إليها على خلفية أن هؤلاء "تحصيل حاصل"!...
لا بل إنها تعتبر أن الأولوية لكسب أصوات "الشارع الآخر"، ولو على حساب "جماعتها"...
بيد أن الواحد منا، ولو عاد به الزمن، لن يُغير مواقفه ونضالاته، لا بل يبقى ثابتا عليها، لانتفاء المصلحة الشخصية عنده، وذوبانها في المصلحة العامة الجامعة.
وأفضل الخيارات يبقى في عدم أسر النفس بالحزب وبالتيار والطائفة، ولا بالحي والشارع... بل بتشكُل المواقف الشخصية انطلاقا من معايير خُلقية جامعة أساسها الصدق مع الناس والشفافية ونظافة الكف!.
وعلى هذا الأساس فقط يكون الدعم والتأييد في مكانهما المُناسب، ومع الجهة الفُضلى!.
وهكذا فقط، نكون معا في وطن الرسالة، فلا نعودن البتة إلى عبودية التقوقع البغيض!.
فهل يُمكن الانطلاق من هذه الثوابت، للعمل اجتماعيا معا، يدا بيد، على نشر السلام وإشادة حصونه وتعزيزها؟.
في إمكاء أبنائنا، أن يجهدوا لإثبات ذاتهم، وتعزيز كفاياتهم، ونشر فُنونهم ومواهبهم... بدلا من أن تُبَح أصواتهم في الدعوة إلى فداء الزعيم، "بالروح والدم"... كي يُنافس هذا الأخير غيره من الزعماء، على لائحة الأكثر فحشا وثراء على المستوى العالمي، فيما المُناصرون المساكين قد انتفخت بُطونهم... جوعا!.
هل يُمكننا البدء، اليوم، بإشادة "نوادي التواصُل والوَعي"، في كُل المُحافظات، تحضيرا للُبناننا الجديد، الناصع، الشبابي، والمُحدث، والخالي من كل عيب أو علة أو خطيئة أو جريمة؟...
الجواب: نعم.