على وقع حالة الإستعصاء القائمة على مستوى الملف الرئاسي، جاءت دعوة رئيس ​المجلس النيابي​ بري إلى الحوار من خارج السياق المنطقي، لا سيّما أنّ بعض القوى المعارضة كانت في الأصل قد أعلنت رفضها مبدأ الحوار مع "​حزب الله​" وحلفائه، والذي كان من المفترض أن يقوم به المبعوث الرئاسي الفرنسي ​جان إيف لودريان​.

من حيث المبدأ، قد يكون من السهل تصور تجاوب تلك القوى مع مبادرة المبعوث الرئاسي الفرنسي أكثر من تلبية دعوة رئيس المجلس النيابي، نظراً إلى أن مصالحها في الأولى أكبر من الثانية، بالرغم من أن بري قدم لها مغريات مناسبة، تتمثل في تحديد مهلة لهذا الحوار، قبل الذهاب إلى جلسات إنتخاب متتالية، فما هي المبررات التي دفعته إلى هذه الخطوة؟.

في قراءة مصادر سياسية متابعة، فإنّ دعوة رئيس المجلس النيابي إلى الحوار تعكس تقدّماً في الشكل، على إعتبار أنّ فريقه السياسي كان يربط الدعوة إلى جلسات إنتخاب بالتوافق المسبق على إسم رئيس الجمهورية المقبل، لكن في المضمون لا يمكن الحديث عن تطوّر على الصعيد العملي، على إعتبار أنّ أي جلسة إنتخاب جديدة لن تقود، في ظلّ الظروف الراهنة، إلى حسم هذا الإستحقاق.

بالنسبة إلى هذه المصادر، لا يمكن الركون إلى الرواية التي تتحدّث عن أنّ بري يريد الحوار، كورقة مقابل الذهاب إلى الجلسات المتتالية، للحفاظ على صورته، على إعتبار أن دعواته الماضية كانت قد فشلت بسبب رفض بعض القوى المسيحيّة لها، أو لتفادي فرض عقوبات خارجيّة عليه، بعد أن كانت وتيرة التهديدات قد تزايدت في الآونة الماضية، نظراً إلى أن المسألة أعقد بكثير.

إنطلاقاً من ذلك، يبقى السؤال الأساسي هو حول الأسباب التي دفعت رئيس المجلس النيابي إلى هذه الدعوة على مستوى المضمون، لا سيما أن المعطيات الراهنة تؤكد أن ليس هناك من تحولات جوهرية، تسمح بالحديث عن قرب إنجاز ​الإستحقاق الرئاسي​، بالرغم من أن التوقّعات بأن تشهد البلاد، في المرحلة المقبلة موجة من الضغوط.

على هذا الصعيد، تلفت مصادر نيابيّة، عبر "النشرة"، إلى أنّ هذه الخطوة تعكس التوازنات الجديدة، التي نتجت بعد جلسة الإنتخاب الثانية عشرة، حيث تشير إلى أن قوى الثامن من آذار مقتنعة بأن الجلسات المتتالية لن تقود إلى إنتخاب رئيس من دون موافقتها، لا سيما بعد عودة "حزب الله" و"​التيار الوطني الحر​" إلى الحوار، بغضّ النظر عن التأكيدات التي تطلقها القوى التي سبق لها أن تقاطعت على إسم الوزير السابق ​جهاد أزعور​.

وترى هذه المصادر أنّ أي جلسة إنتخاب ستؤكّد الحاجة إلى الحوار، لإنجاز الإستحقاق الرئاسي، وهو الموقف الذي تشدّد عليه قوى الثامن من آذار منذ البداية، لا بل من الممكن أن تعكس تراجعاً في الأصوات التي كانت قوى التقاطع قد وفّرتها لصالح أزعور، في حين أن تلك التي حصل عليها رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجيّة من المرجح أن تبقى على حالها، وبالتالي يمكن إختصار المشهد بمعادلة أنّ جلسات الإنتخاب لم تعد تحمل معها أيّ مخاطر حقيقية.

في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها بأنّ الجميع لا يزال يدور حول معادلة الهروب من تحمّل مسؤولية العرقلة، فقوى الثامن من آذار بدأت تقدّم بعض التنازلات، في الشكل، من أجل إرسال الرسائل التي تؤكد أنها من الساعين إلى إنتخاب الرئيس المقبل، بينما القوى المعارضة تتمسّك بالدعوة إلى جلسات الإنتخاب المفتوحة، في حين أنّ الجميع يدرك أن المسار المنتج يرتبط بمعادلة إنتظار التحولات الخارجيّة، الّتي من الممكن أن تفتح الباب أمام الوصول إلى تسوية في الملف اللبناني.