تتباين المؤشرات على الساحة الإقليمية، بين يوم وآخر، بحيث تتراوح بين الحديث عن إيجابية منتظرة، وتوترات من الممكن أن تتصاعد في أيّ لحظة، لكن بات من الواضح أنّ هذه المؤشرات تدور حول عنوان واحد، منع الإنزلاق نحو مواجهة شاملة في أيّ ساحة، بسبب التوافقات التي حصلت على مستوى الخطوط العريضة، سواء تلك التي كرّسها الإتفاق السعودي الإيراني برعاية صينيّة، أو الإتفاق الأميركي الإيراني، حول بعض النقاط، الّذي تمّ برعاية قطريّة.
ما تقدّم، يدفع إلى الحديث عن مناوشات، في الساحة المشتركة، بين اللاعبين الإقليميين والدوليين، من دون أن يعني ذلك سعي أيّ جهة إلى حسم المواجهة لصالحها بشكل كامل، على إعتبار أن فرص العودة إلى المرحلة الماضية، التي كانت قد شهدتها المنطقة قبل سنوات، غير متوفرة، بسبب التوازنات التي فرضتها المواجهات العسكرية في أكثر من دولة.
إنطلاقاً من هذا المشهد، تدعو مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى قراءة موقع لبنان في ظل ما يحصل في المرحلة الراهنة، حيث تشير إلى أن هذه الساحة هي الأكثر تمثيلاً لهذا المشهد، بسبب حضور غالبية اللاعبين الإقليميين والدوليين المؤثرين فيها، وهو ما ينعكس عرقلة على مستوى إنجاز الإستحقاق الرئاسي، بعد أن كانت المواجهة قد قادت إلى إنهيار إقتصادي كبير، من دون أن تنزلق إلى مواجهات عسكرية.
بناء على ما تقدم، فإنّ التشدد الحاصل في مواقف الأفرقاء المحليين، الذي لا ينفصل عن المبادرات التي تظهر بين الحين والآخر، سواء كانت داخلية أم خارجية، إلى جانب الزيارات الخارجية التي تسعى إلى تكريس الحضور، تقرأه المصادر كرغبة بعدم ترك الساحة من قبل أي جهة، بل سعي إلى حجز موقع فيها ضمن التسوية المقبلة، عندما يحين موعد الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
بالنسبة إلى البعض، هذا الواقع قد يعني الإنتظار طويلاً قبل الوصول إلى الحل، على قاعدة أن لبنان ليس الملف المستعجل بالنسبة إلى غالبية الجهات الفاعلة، حيث من الممكن الحفاظ على واقعه الحالي عبر بعض المساعدات التي تقدم، وبالتالي التسوية فيه من المفترض أن تنتظر المعالجات في ملفات أخرى، التي لا تزال النقاشات حولها تحتاج إلى الوقت، لكن في المقابل هناك قراءة أخرى أكثر إيجابية، ترى إمكانية الوصول إلى تسوية في وقت غير بعيد.
في هذا الإطار، تشير المصادر السياسية المتابعة إلى أن النقطة الإيجابية، التي يمكن البناء عليها، هي التأكيدات المستمرة بمنع إنفجار الأوضاع بشكل كامل، نظراً إلى أن غالبية الجهات الفاعلة ترى أن لا مصلحة لها في ذلك، وهو ما يدفعها إلى رسم خطوط حمراء واضحة، بغض النظر عن السقوف العالية التي ترفع من قبل بعض الأفرقاء اللبنانيين، لكنها تعتبر أنّ السؤال الأساسي يبقى حول القدرة على تمرير تسوية في هذا الوقت.
من وجهة نظر هذه المصادر، طالما أن مؤشرات الإنفجار مستبعدة، تبقى الأوضاع مفتوحة على سيناريوهين أساسيين: الأول هو إستمرار المراوحة القائمة، ما يعني عدم الوصول إلى حلول في وقت قريب، أما الثاني فهو الذهاب إلى تسوية في فترة مقبولة، من المفترض ألاّ تتعدى نهاية العام الحالي، نظراً إلى أن البلاد ستكون بعد ذلك أمام مجموعة بارزة من التحديات، أبرزها الواقع الإقتصادي وإنتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون.
في المحصّلة، تدعو المصادر نفسها إلى مراقبة مسار الأحداث، في الأيام المقبلة، خصوصاً بعد وضوح مصير المبادرة الفرنسية، بالإضافة إلى ما يمكن أن تقوم به قطر، بدعم من السعودية وأميركا، على هذا الصعيد، نظراً إلى أنه قد تبرز خلالها معطيات جديدة حول إمكانية الذهاب إلى مخرج ما، من المرجح أن يكون مرحليا، عنوانه تكريس مرحلة عدم الحسم، في حال لم تنضج أي حلول كبرى على مستوى المنطقة.