على الرغم من الأجواء الإيجابيّة التي تحاول قوى الثامن من آذار بثّها، بالنسبة إلى المبادرة الحواريّة التي كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري قد أطلقها، لا سيما بعد المواقف المرحبة من قبل "التيار الوطني الحر" والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إلى جانب تلك التي صدرت عن الحزب "التقدمي الإشتراكي" وبعض الكتل النيابية السُنية، إلا أن ذلك لا يلغي علامات الإستفهام التي تُطرح حولها.
من حيث المبدأ، النقطة الإيجابيّة الأساسية التي يستطيع أن يستند إليها بري، تكمن بوجود تأييد لهذه الدعوة من قبل عدد كبير من الكتل النّيابية، بالإضافة إلى عدم إصطدامها بوقف رافض من قبل جميع الأفرقاء المسيحيين الأساسيين، بسبب ترحيب "الوطني الحر"، على عكس ما كان عليه الحال في الدعوات الماضية.
في هذا السياق، تتوقّف مصادر نيابية متابعة، عبر "النشرة"، عند الأسئلة التي تُطرح من قبل مجموعة واسعة من النواب حول نصاب جلسات الإنتخاب، التي من المفترض أن تلي الحوار، حيث يريد هؤلاء إلتزاماً من رئيس المجلس النيابي بعدم الذهاب إلى تطيير النصاب، على قاعدة ضرورة حضور 86 نائباً في كل جلسة، الأمر الذي يعني أنه سيكون قد حصل على ما يريده، بالنسبة إلى تكريس دوره، من دون أن يقدم أي جديد من الناحية العملية.
وتشير هذه المصادر إلى أن هذا الأمر لا يتوقف على موقف "التيار الوطني الحر"، الذي ربط مشاركته بضمانات أن ينتهي هذا الحوار بجلسات مفتوحة، لا تتوقف حتى حصول هذا الانتخاب، إلى جانب الا يكون تقليدياً بل عملياً ينحصر جدول أعماله ببرنامج العهد (الأولويات الرئاسيّة) ومواصفات الرئيس واسمه، حيث تؤكّد أنّ العديد من القوى والشخصيّات المؤيّدة لهذه المبادرة تريد مثل هذا النوع من الضمانات، حتى ولو عبرت عنها بطريقة مختلفة، بالرغم من الأجواء التي كانت قد نقلت إلتزام بري بالدورات المتتالية.
من حيث المبدأ، من دون الذهاب إلى تقديم هذه الضمانات لن يكون من الممكن توقع نجاح هذه المبادرة، حيث سيكون مصيرها مشابه للدعوات الماضية إلى الحوار، التي كانت تنتهي ببيان يصدر عن رئيس المجلس النيابي يعلن فيه التراجع، بسبب رفضها من قبل بعض الأفرقاء، لكن هل تتوقف العوائق عند هذه المسألة؟.
في هذا الإطار، توضح المصادر النيابية المتابعة أنه على الرغم من التأييد الذي حظيت به المبادرة من بعض الكتل النيابية السُنية، هناك أجواء أخرى تعكس هواجس من تداعيات ذلك على الإستحقاقات الدستورية الأخرى، حيث لا تتردد بعض الجهات في التعبير عن مخاوفها من أن يتكرر الأمر نفسه، عند الوصول إلى مرحلة تسمية رئيس الحكومة المكلف، ما يدفعها إلى إعادة التأكيد على أن المطلوب الإلتزام بالدستور، الذي لا ينص على الحوارات المسبقة.
بالنسبة إلى هذه المصادر، ما ينبغي التوقف عنده هو أن مصدر هذه الهواجس جهات تعتبر من المقربين من السعودية، ما يدفع إلى طرح الكثير من الأسئلة حول ما إذا كانت تُعبر عن موقف شخصي أم تعكس أجواء الرياض، على إعتبار أن تداعيات ذلك لن تكون نفسها في الحالتين، خصوصاً أن السنوات الماضية كانت قد شهدت العديد من السجالات الطائفية حول صلاحيات رئيس الحكومة، سواء في مرحلة التكليف أو مرحلة التشكيل.
في المحصّلة، تلفت المصادر نفسها إلى أنّه بالإضافة إلى كل ما تقدم، هناك سؤال جوهري يحتاج إلى التوضيح، يتعلق بإمكانيّة أن يذهب رئيس المجلس النيابي، في حال معالجة الهواجس الّتي لدى البعض، إلى السير بالحوار بمن حضر، في حال بقيت مواقف بعض الكتل والشخصيات النّيابية المعارضة على حالها، لا سيما أنّ لهذه الكتل والشخصيات أوزان داخليّة وخارجيّة لا يمكن تجاهلها.