من سمع الكلام الصادر عن المسؤولين والسياسيين والفاعلين على الساحة اللبنانية في الاشهر الماضية، والتهديدات التي اطلقوها تجاه تحميل الجميع مسؤولياتهم ازاء تفاقم مشكلة النازحين السوريين في لبنان وعدم القدرة على تحمّل المزيد، اعتقد ان الامور كانت تتّجه نحو الصدام الكبير وانّ هؤلاء اتّخذوا قرارهم وشدّوا احزمتهم واستعدوا للدخول في معركة شرسة عنوانها الكبير: "هوية لبنان". غير ان الواقع على الارض حمل حقيقة اخرى مغايرة تماماً، اذ استمر تدفّق النازحين بأعداد هائلة، وعلى الرغم من جهود الجيش اللبناني لضبط الحدود والتسلل غير الشرعي، الا انّ الارقام تتحدث عن نفسها، وهي مخيفة، وبالاخص عندما نعلم ان لا مجال للحدّ من هذا النزوح في وقت قريب.
ويلاحظ اللبنانيون وغير اللبنانيين، انه عند التجول في مناطق وشوارع لبنان في كل المحافظات، تجد سوريين يتلقفونك او يتواجدون عند كل بناية ومفترق وباتوا اكثر خبرة من مواقع تحديد الاماكن GPS، ويمكن الاستعانة بهم بكل سهولة للمساعدة على الوصول الى منطقة اخرى، او احد الاحياء او حتى الى المبنى الذي يرغب المرء في الوصول اليه. تلكؤ ما بعده تلكؤ، وضعف ما بعده ضعف، واستهتار ما بعده استهتار يمارسه المسؤولون في لبنان للحفاظ على مراكزهم ومصيرهم السياسي، وارضاء لهذه وتلك من الجهات الدولية، ولو على حساب مصير البلد.
الخطر الذي يتزايد يكمن في ان الخارج يرغب في ان يعتاد اللبنانيون على التطبيع مع قضية النازحين، فيندمج هؤلاء في المجتمع اللبناني ويصبحون جزءاً منه، وعندها يتحول لبنان حكماً الى جزء من سوريا، او في اقل تقدير يصبح التشكيك جدياً بانتمائه الى جارته العربية الاكبر، على غرار ما يحصل في الغجر والماري.
واذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فمن المرجّح ان يكون الحلّ الوحيد الباقي في ظل تقاعس المسؤولين اللبنانيين عن الخروج بموقف جريء، الخطوة الاسهل وهي ترحيل اللبنانيين، لانهم قادرون على فرض ما يشاؤون على اللبنانيين ولا يتجرأون على مواجهة الخارج. ولا تجد الدول (وتحديداً في الغرب) اي مشكلة في استقبالهم الذين، على عكس النازحين السوريين او غيرهم من اللاجئين، لا يتمتعون بالمزايا التي يتمتع بها الآخرون فهم لا يقبضون من الامم المتحدة، ولا يتهرّبون من الضرائب، ولا يشكّلون عبئاً على الدول التي تستقبلهم، ولا يشكلون عصابات ومجموعات تعمل على زعزعة الاستقرار الامني وبسط سيطرتها على مناطق معيّنة، بل على العكس تراهم يقومون بواجباتهم على اكمل وجه، ويمتثلون للقانون بحذافيره.
وللمفارقة، فإنّ الخطة الجهنمية بافراغ لبنان من مواطنيه قد تنجح، لانّ شريحة من اللبنانيين اشمأزّت بالفعل من ممارسات المسؤولين ورؤساء الاحزاب والتيارات السياسية، وباتت تطلب الهجرة واقتنعت بأن الرحيل عن لبنان هو الخطوة الانسب، وهي تعمل اولاً على ارسال الاولاد الى الخارج، اذا ما تعذّر مغادرة العائلة ككل، على امل إعادة لمّ الشمل. وفي ظلّ غياب الارقام الدقيقة، هناك من يقول بأنّه مقابل كل نازح سوري يدخل الى لبنان، هناك 3 لبنانيين يغادرون البلد، وبهذه الوتيرة نكون امام تغيير ديموغرافي جذري خلال اعوام قليلة سيؤدي الى ان يصبح اللبنانيون اقلّية في بلدهم.
هذا هو الشذوذ الحقيقي الذي يجب محاربته، فهل من الطبيعي ان يكون في بلد ما اجانب اكثر من المحليين؟ الجواب سيكون نعم خلال اقل من عقد، وسيكون لبنان البلد الوحيد في العالم الذي يخسر هويته بسبب مسؤوليه وشعبه، وعندها تكتمل الفرحة بدخول التاريخ للمرة الاخيرة، وبتسجيل المسؤولين انّهم كانوا يدلون يومياً بتصريحات محذّرة من الخطر في حين تقع عليهم مسؤولية اتخاذ القرارات!.