يعرّف المحلّلون الثرثرة بأنّها كثرة الكلام، وهي داء ومرض خطير يصيب الكثير من الناس، رجالًا ونساءً على السواء. وفي الثرثرة خروج عن الحد المسموح به من الكلام، وعن ضوابطه أيضًا. والمصابون بهذا المرض يدمنون كثرة الكلام. وقد ورد في سفر الأمثال من الكتاب المقدّس: "كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ، أَمَّا الضَّابِطُ شَفَتَيْهِ فَعَاقِلٌ" (أمثال 10: 19). كذلك نقرأ عند الرسول يعقوب في رسالته حديثًا عن خطورة اللسان قائلًا: "لنُسرع في الاستماع، ونُبطئ في التكلم" (يعقوب1: 19).
نستنتج مما تقدّم أنه كلّما تكلّمنا كثيرًا وثرثرنا، يزداد احتمال السقوط في الخطأ والخطيئة، وننسحب إلى شهوة الكلام بلا توقّف. بهذا نسقط في المبالغة في الحديث، مما يدفع إلى الكذب لا شعوريًّا، ورمي الكلام الحرام على الناس. كما تدفعنا هذه العادة إلى السقوط في الغضب والاندفاع نحو الانفعالات المتسيّبة، وكثيرًا ما نضطر إلى الاعتذار. هذا نتيجة الجهل أو الغباوة، والكسل والكلام البطّال، الذي نبّهنا منه تحديدًا القدّيسون، وقد أشار إليه القدّيس افرام السرياني في صلاته الشهيرة: "أيّها الربّ وسيّد حياتي، أعتقني من روح البطالة والفضول وحبّ الرئاسة والكلام البطّال. وأنعم عليّ، أنا عبدك الخاطئ، بروح العفّة واتّضاع الفكر والصبر والمحبّة. نعم، يا ملكي وإلهي، هبني أن أعرف ذنوبي وعيوبي وألاّ أدين إخوتي، فإنّك مبارك إلى الأبد، آمين”.
كثرة الكلام والثرثرة والتدخّل فيما لا يعنيك، ومراقبة الناس مرض يُدمن عليه أناس كثيرون، بغية إيذاء وتجّريح الآخرين والتشّهير بهم، ناسين أنّ الله يحاسب، وعدله يسمو على كلّ أحكام الأرض. وقد ورد في إنجيل متّى: "إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَاطِلَةٍ يَتَكَلَّمُ بِها النَّاسُ، سَوْفَ يُؤَدُّونَ عَنْهَا الْحِسَابَ فِي يَوْمِ الدَّيْنُونَةِ" (مَتَّى ١٢: ٣٦). يُظهر المسيح، هنا، خطورة الكلام الباطل، أي الشرير أو غير النافع، حيث أننا سنحاسَب عليه في يوم الدينونة، فلا نستهين ونتكلّم كلامًا غير نافع أو ضارًا لغيرنا، فكلامنا الصالح يبرّرنا في يوم الدينونة، وعلى العكس، كلامنا الشرير الذي يُظهر أن قلوبنا شريرة، سيؤدى بنا إلى الهلاك.
لو يدرك مدمنو الثرثرة وكثرة الكلام، أنّ في ذلك دينونة كبيرة، سيؤدّون حسابًا عنها عند الديّان، لتوقفوا عن هذه الآفة التي تضر بالمتفوّه وبالآخرين، وسعوا إلى معالجة أنفسهم من هذا المرض عبر وسائل عديدة، أوّلها الإعتراف بمرضهم والسعي إلى التخلّص منه تلقائيًا أو عبر أصدقاء أو معالجين نفسانيين. فالثرثار عليه أن يفكّر جيدًا قبل أن يتفوّه بكلماته، اذا أراد التخلّص من هذا الأسلوب التافه، وبالتالي عليه تقع مسؤولية كلامه.
هذا مدخل إلى الحلول، لست بأخصائي في هذا المجال، إنّما إنسان يعرف، بتواضع، ضرر الثرثرة بين الناس، وكثرة الكلام الذي يؤدي إلى انفصال الأحباء والأصدقاء والأقارب والجيران عن بعضهم، والتسبب بإهانة الأشخاص وافشاء اسرارهم.
حبذا لو نعمل على حد قول الرسول بولس: "وَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ" (1 كورنثوس 14: 40)، سواء في الكنيسة، أم في البيت، أو في العمل، أو في الوطن، لأضحت البشرية في سلام.