تتعانق مشاكل العالم في الأمم المتحدة الأسبوعَ المقبل خلال أعمال الجمعية العامة السنوية، فيتصافح الزعماء ويبتسمون بعضهم لبعض بعد سلسلة تصريحات عدائيّة وجولات عنف غذّوها بأموالهم، فصرفتها الشعوب في أسواق النزوح والتهجير.. والموت.
على مدخل المنظّمة الدولية سوف تتدافع الوفود الدبلوماسيّة من رتبة ملوك ورؤساء حتى تصل الى الأروقة الداخليّة لتنسج بعضها مع بعض علاقاتٍ ظاهرُها إنساني، وباطنُها سباق على النفوذ والمال.
في جعبتهم أحداث وأزمات، وفي أجنداتهم لقاءات أغلبها مخفي... محظوظٌ هو الرئيس الذي يتمكن من مصافحة رئيس أميركا او الصين او بريطانيا، ويتمكن من انتزاع مكسب سياسي او مالي.
في السنوات القليلة الماضية، أطلقت الأمم المتحدة صفارات الإنذار حول تغيّر المناخ والتصحّر والفقر والأوبئة وفقدان المياه في العالم. استجاب القليل من الدول بسبب عدم قدرتها على التعامل مع هذه المتغيّرات، في حين ان دولاً أخرى ساهمت في صندوق التبرعات. لكن هذه المساعدات لم تكنْ كافية على القدر المطلوب.
زادت مخاطر العالم بسبب المنافسة الجيوسياسية، وأكثر من دولة هدّدت في السنتين الماضيتين باستخدام النووي، وبلغ الإنفاق العسكري العالمي مستوى قياسيّا قدره 2,2 تريليون دولار عام 2022، فغرق العالم في الفقر والتشرّد وفي أزمات اقتصادية ضربت القطاعات المصرفيّة والإنتاجية حتى في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة والصين.
أوكرانيا لن تكون القضية الأبرز على طاولات المفاوضات في الأمم المتحدة. أصحبت موضة قديمة، لأن العالم منشغل بقضايا أخرى أكثر خطورةً. تحالفات عالمية شُكّلت هذا العام، فبُنيَت جسور عابرة للقارات لتسهيل التجارة والتواصل، حيت تتصارع طريق الحرير الصيني مع الآخر الأميركي، وتناور روسيا في مسألة تصدير الحبوب علّها تلغي العقوبات الدولية عليها. أمرٌ أضعَفَها من الداخل، فأرهق الشعب الروسي الذي راح يختنق اليوم من جرّاء الأزمة الاقتصاديّة. في الصين معاناة أخرى بحجم أكبر، حتى أميركا لم تسلم منها. قضايا كثيرة وأزمات دون حلول. فهل من بارقة حلّ في اجتماعات الجمعيّة العامة هذا العام؟.
تاريخ الجمعية العامة لا يذكر ان الأمم مجتمعة قد حقّقت انتصارات في السلم والأمن في السنوات الماضية الأخيرة، من العراق الى ليبيا وسوريا، من اليمن وأوكرانيا الى الانقلابات الفجائيّة في الدول الأفريقية التي حيّرت العالم، الى أزمات تهدّد بالحروب مثل مياه سدّ النهضة. لكن الأمل لم ينقطع عند القادة الأمميّين، الذين يسعون جاهدين الى وقف حمّامات الدم في اوكرنيا والسودان، مفتاحَي السلم والأمن في القارتين الأوروبية والأفريقية.
أيام قليلة وتبدأ الوفود الرسمية بالوصول الى نيويورك، عاصمة المحادثات واللقاءات. لبنان الغارق في أحزانه وشلله السياسي لن يغيب هذا العام عن أعمال الجمعيّة. هو الذي لم يغب عن أيّ دورة مهما كانت الظروف. سوف يصل الأسبوع المقبل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي على رأس وفد من مساعديه ووزيرَي الخارجية عبد الله بو حبيب، والصحّة فراس الأبيض والنائب عناية عز الدين، للمشاركة في الاجتماعات الخاصة بالقضايا الصحية والاجتماعية. لا يُحسد الوفد اللبناني على "وقفته" بين الأمم الأسبوع المقبل. ماذا سيقول للدول عن لبنان الغارق في عُقد الخلافات حول رئيس للجمهورية؟ هل سيعترف اللبنانيون للوفود المشارِكة بعجز دولة لبنان عن تأمين الطبابة للفقير الذي يموت على فراشه لأنه لا يتمكن من ان يدفع فاتورة الدخول الى المستشفى؟ هل سيقول الوزير الأبيض إنّ أدوية السرطان والسكّري مفقودة، وإنّ الجهاز الطبي غادر لبنان بأرقام كبيرة ليلتحق بمستشفيات اوروبا أو الخليج، تاركاً جسم الوطن يموت بلا علاج او دون طبقة مثقفة؟.
ماذا سيقول ميقاتي في كلمة لبنان أمام الجمعية العامة على مسمع أمينِها العامّ، خاصةً بعد حفلة الزجل السياسي المباشرة على وسائل الإعلام، بين وزير الخارجية عبد الله بو حبيب والسفيرة السابقة أمل مدللي؟ انتقادات بلغَتْ حدّ التخوين! هل سيُبلِّغ ميقاتي أنطونيو غوتيريش ان لبنان لم يتمكن، بعد انقضاء أربع سنوات، من العثور على خيط في التفجير "النووي" الذي ضرب بيروت؟ وهل سيَطلبُ منه التدخُّلَ لإنشاء محكمة دولية للتحقيق، بعدما عجز القضاء اللبناني "الحرّ" عن العثور على مُشتَبهٍ به واحد على الأقلّ؟.
سيلتقي ميقاتي أميرَيْ الكويت وقطر وعدد من المسؤولين في صندوق النقد الدولي والمنظمة الدولية للهجرة، كذلك لقاء مع ملك الأردن عبدالله الثاني ووزير خارجية أرمينيا. ولم تتأكد لقاءاته بعد مع الفرنسي او الأميركي. أمّا المؤكد فهو اللقاء التقليدي لأخذ الصورة والسلام مع أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
مع كل ما يدور في لبنان، ومع فقدان اتفاق لانتخاب رئيس جديد حتى اليوم، ومع اشتعال المحاور في صيدا بين فصائل عربية لا ناقة للبنان فيها ولا جمل، ومع كل الآراء المنادية باللامركزية الإدارية والتقسيم، "بعدها الدني بألف خير" مقارنةً بالأزمات الطبيعية الواصلة الى كل منزل لبناني، في أي منطقة كان وإلى أي طائفة انتمى، وهي أزماتٌ ما تنفكّ الأممُ تبحث عن كيفية مواجهتها في السنوات القريبة المقبلة. متى سيعي القادة اللبنانيون ان حبة القمح ونقطة المياه سوف تفعلان ما عجزت عنه الحركات الثورية في العالم؟ وإذا نظرنا بصورة سريعة الى قلب القارة الأفريقية ورأينا كيف انّ الجفاف والفقر أدّيا الى ما نشهده اليوم من انقلابات وثورات، فليس غريباً أن نتوقع كيف سيختفي زعماء لبنان مثلما اختفى حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة لينتقلوا الى مرحلة مواجهة العقوبات، لأنّ الدني بألف خير. والمحاكم الدولية كذلك.
سمر نادر
الأمم المتحدة-نيويورك