ما بين ازمة سياسية مفتوحة طال أمدها في لبنان، واحداث عين الحلوة الخطيرة ليس على الفلسطينيين فحسب، بل على الأمن اللبناني، أطلّ رئيس المجلس النيابي نبيه برّي بمبادرتين، فأنقذ بإحداها أمن لبنان في صيدا، بينما تقع كرة مسؤولية نجاح الثانية في مرمى القوى السياسية بالمفرّق والجملة.
يُسجّل لرئيس المجلس أنّه لا يقف متفرجاً يوماً، بل يندفع نحو فرض حلول، مهما كان حجم الصعاب والمطبّات. لم يفشل بري في طرح ولا مبادرة ولا حوار ولا مسعى ولا تسوية، بل ان رافضي التعاطي مع خطواته كانوا يكرّرون الفشل.
سبق وحاول رئيس المجلس نزع فتيل الازمة بين الفلسطينيين، ودأب منذ سنوات يرعى حواراً بين فصائلهم، ويقرّب المسافات على قاعدة ان حفظ القضية الفلسطينية وضمان حق العودة يبدأ من توحيد جهود القوى والفصائل الفلسطينية في أي مساحة جغرافية تواجدوا فيها، على ارض فلسطين او في دول الشتات. وهو ما فرض احترام كل الفلسطينيين لشخصه ودوره. لكن حسابات النفوذ والسيطرة كانت تقفز من مخيم الى قطاع الى ادوارٍ في كل اتجاه، وتوجد نزاعاً احياناً كما جرى في مخيم عين الحلوة.
نجح بري سابقاً في فرض وقف اطلاق النار في المخيم، لكن الصراع عاد هذه المرة ليحصد ارواح ابرياء ويدمّر منازل ويهجّر مهجّرين اساساً، ويصيب امن الجنوب في عاصمته صيدا. وما ان وصل القتال الى مستوى خطير، ورفعت معه القوى الفلسطينية الصوت، فوجدت برّي ينتظر جديتهم في التعاطي بمسؤولية، وهكذا كان: هل ستلتزم الفصائل هذه المرة؟ نعم. لذا كانت مبادرة بري عملية تتوزّع يإتجاهات الزامهم بوقف النار، والانسحاب من المدارس وأمكنة القتال، وتسليم المتهمين بالقتل.
لن يكون الشكر لجهود برّي فلسطينياً فقط، بل لبنانياً، وعربياً، وانسانياً.
فهل يستسلم السياسيون اللبنانيون امام الحوار الوطني المطلوب، لوقف النزاع السياسي الذي خرّب الامن القومي للبلد في الاقتصاد والمعيشة والامن والاستقرار؟.
طرح رئيس المجلس النيابي مبادرة تبنّاها الفرنسيون، طالما هي مبنية على حوار مطلوب، ومحدّد الزمان والهدف. وهل يُعقل ان يرفض احد حواراً وطنياً؟ واذا كانت الحجّة الالتزام بالدستور اي عقد جلسات انتخابية لإختيار رئيس للجمهورية، فما الذي تبدّل سياسياً في موازين القوى؟ لم يتغير شيء في اي التزام عند الافرقاء اللبنانيين.
سيشكّل الحوار مدخلاً للحل السياسي عبر انتخاب رئيس للجمهورية، وسيكون الحوار مطلوباً لتأليف حكومة جديدة بعدها. ان تركيبة البلد السياسية والطائفية تفرض استمرارية الحوار بين القوى التي فشلت ان تُحدث غلبة لا بأحجام الكتل النيابية ولا بالأوزان السياسية. اساساً يقوم لبنان على الحوار الداخلي، لإجهاض الكوارث التي تُسبّبها الخلافات بين الافرقاء.
لو لم يدعُ برّي الى حوار، ما هو البديل؟ فلنفترض حصل انتخاب رئيس للجمهورية، فكيف يمكن تشكيل حكومة وتعيينات وتحديد مراكز وسياسات في بلد يقوم على التوازن؟.
لو لم يفعلها بري، من كان يستطيع رعاية حوار وطني بغياب رئيس الجمهورية وفي ظل هذا الانقسام؟ .
ولو لم يفعلها برّي، من استطاع ان يدوزن اتفاق القوى الفلسطينية لانهاء احداث عين الحلوة؟ .
الجواب: لا احد.