أكد مصدر رئاسي فرنسي رفيع المستوى أن الملف اللبناني سيكون موضع تباحث بين البابا فرنسيس والرئيس إيمانويل ماكرون، بمناسبة الزيارة التي سيقوم بها الأول إلى مدينة مرسيليا في يومي 22 و23 أيلول الحالي.

واكد المصدر الرئاسي الفرنسي، رداً على سؤال لـ"الشرق الأوسط"، بمناسبة عرضه فعاليات الزيارة البابوية، أن الوضع اللبناني يشكل "مصدر قلق" للبابا ولماكرون، اللذين سبق لهما أن تناولا هذا الموضوع في السابق، وسيكون من جملة موضوعات ستجري مناقشتها بين الطرفين؛ ومنها ملف اللاجئين المتدفقين على الأراضي الأوروبية، والأزمات المشتعلة في أكثر من مكان من العالم.

وذكر المصدر الرئاسي أن البابا عازم على زيارة لبنان. بَيْد أن زيارة كهذه لا يمكن أن تحصل في ظل الفراغ المؤسساتي على رأس الجمهورية اللبنانية منذ أقل من عام. وليس سراً أن فرنسا والفاتيكان من أكثر الدول اهتماماً بالوضع اللبناني. وتعتبر مصادر عالية الصلة أن دبلوماسية الفاتيكان «فاعلة جداً، رغم أن المسؤولين عنها يفضلون التعتيم على ما يقومون به».

وسبق للرئيس ماكرون أن تلقّى رسائل فاتيكانية عدة بالنسبة للبنان، إما عبر القنوات الدبلوماسية التقليدية، أو عبر الوسطاء. وكان البطريرك الماروني بشارة الراعي، بمناسبة لقائه الأخير مع الرئيس ماكرون في قصر الإليزيه، يوم 29 أيار، قد تولّى نقل رسالة بابوية إلى الجانب الفرنسي تتناول طروحات باريس لجهة التعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية بناء على معادلة وصول الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا، وتعيين رئيس وزراء إصلاحي بشخص القاضي نواف سلام، الأمر الذي لا تقبله الأوساط المعارِضة وتَعتبره خضوعاً لرغبة "حزب الله"» وجبهة الممانعة والثنائي الشيعي.

وسيأتي لقاء ماكرون - البابا بعد أن يكون الوزير السابق جان إيف لودريان قد عاد، الجمعة، من بيروت، بعد إنهاء مهمته الثالثة التي لا يبدو أنها فتحت كوة في جدار الأزمة الرئاسية. ويفترض بوزير الخارجية السابق أن يُطلع الرئيس ماكرون، وكذلك الوزيرة الحالية كاترين كولونا على نتائج زيارته الثالثة، ولقاءاته الموسَّعة مع السياسيين اللبنانيين.

وسيكون الملف اللبناني مطروحاً على طاولة وزراء المجموعة الخماسية، المهتمة بمساعدة اللبنانيين على ملء الفراغ الرئاسي، والمتشكلة من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والمملكة السعودية ومصر وقطر، المفترض أن يلتقوا في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وسبق لثلاثة منهم، وهم وزراء خارجية فرنسا والولايات المتحدة والمملكة السعودية، أن ناقشوا هذا الملف، العام الماضي، وأصدروا بياناً رسمياً حدّدوا فيه المهمات التي يتعين على رئيس الجمهورية العتيد التصدي لها؛ ومنها المحافظة على السيادة اللبنانية، والقيام بالإصلاحات المطلوبة من لبنان على المستوى الدولي والمؤسسات المالية الدولية.

من جهتها، اشارت صحيفة "نداء الوطن" الى ان الفاتيكان تقارب القضية اللبنانية استناداً إلى نموذج شعب فريد في تنوّعه، والأهم أنه قادر على "فعل القيامة كلّما حلّت به وبوطنه النكبات والمآسي". هذا ما يقوله دبلوماسي مخضرم عائد للتوّ من روما، الذي يضيف جازماً "مخطئ من يظنّ أنّ لبنان ليس في أولويات قداسة البابا فرنسيس، فهو حاضر دوماً في دبلوماسيته الصامتة"

ويوضح المصدر انه "منذ ما قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، تحرّك الكرسي الرسولي عبر سفرائه في دول القرار الدولي والإقليمي والعربي والتي لها تأثير مباشر على القضية اللبنانية، وتمّ تكوين صورة واضحة عن حقيقة الأزمة، التي خلافاً لكل ما يشاع عن أنّها أزمة نظام فقد تبيّن أنّها أزمة قيادات وعدم تطبيق الدستور"، وحدّدت الفاتيكان على ضوء ذلك مساراً واقعياً لمعالجة الأزمة، وأقدمت على خطوات ظلّت بعيدة من الأضواء لا بدّ أنها ستثمر قريباً نتائج إيجابية".

ويستعيد المصدر "الزيارة التي خصّها الكرسي الرسولي لقائد الجيش العماد جوزاف عون حين عقد لقاءً مطوّلاً مع أمين سر حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين الذي أنصت إلى عرض تفصيلي حول كل الملفات الأساسية وأبرزها ملف النزوح السوري الذي كانت لدى الفاتيكان صورة مغايرة عن مخاطره، وكيفية لعب لبنان دوره الطبيعي على صعيد المنطقة والعالم، فضلاً عن المعالجات لبقية الأزمات، وكان لمقاربة القائد وقع خاص لدى بارولين".

يكشف المصدر "عمّا أسماه مفاجأة للقوى السياسية في لبنان، تتمثل في لقاء أيلول الذي سيعقد في خلال أيام ويترأسه الكاردينال بارولين ويضمّ ممثلين عن الدول الكبرى، للبحث في الملفات الساخنة في العالم لا سيّما الحرب الأوكرانية والوضع في الشرق الأوسط، وسيكون للملف اللبناني حيّز في الاجتماع حيث ستتمّ مقاربته من زاوية أنّ المدخل لمعالجة الأزمات في لبنان يتمثل في انتخاب رئيس للجمهورية قادر على جمع كل الفرقاء، موحِّد وغير مرتهن، وآن الأوان لحسم هذا الملف وإنهاء خلوّ سدّة الرئاسة بلا إبطاء، ومن غير المستبعد أن يسمع ممثلو الدول الكبرى مقاربة محدّدة لموقع الرئاسة، خصوصاً أنّ هناك اسماً وحيداً يحظى باقتناع فاتيكاني لن تتأخر الفاتيكان عن طرحه طالما أنّ العجز الداخلي اللبناني مقيم ومستمرّ".

ويؤكد المصدر "أنّ مسار ولوج الحل للأزمة الرئاسية قد انطلق، وأنّ هناك إرادة دولية بعدم الاستمرار بالدوران في حلقة مفرغة، خصوصاً أنّ هناك تعمّداً داخلياً لتعطيل كل الحلول المطروحة، سببه طموحات شخصية وحسابات ضيّقة من المستحيل أن تنتج حلولاً، في وقت يمرّ لبنان في أخطر مرحلة في تاريخه، إذ إنّ التهديد الذي يتعرّض له كياني ووجودي".