منذ أشهر طويلة، يتفق غالبية الأفرقاء اللبنانيون على أن لا تسوية رئاسية من دون مشاركة المملكة العربية السعودية، بالرغم من ارسالها للكثير من الإشارات على أنها غير معنية في هذا الملف، قبل أن تذهب، بعد الإتفاق مع إيران برعاية صينية، إلى الحديث عن أنها لا تضع فيتو على أي مرشح، الأمر الذي فُسر على أساس أنه يصب في صالح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، لكنها لم تذهب إلى أيّ خطوة لتسهيل عمليّة الإنتخاب.
بعد ذلك، برزت بعض المؤشّرات على أن الرياض عادت إلى التشدّد، أبرزها كان خلال إجتماع اللجنة الخماسية الذي عُقد في العاصمة القطرية الدوحة، إلا أنها كانت تحرص دائماً على البقاء في المراكز الخلفية، تاركة المهمة إلى فرنسا، قبل أن ينطلق الحديث عن دور من الممكن أن تلعبه قطر، بالتنسيق مع السعوديين والأميركيين.
إنطلاقاً من ذلك، تعتبر مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أنه لا يمكن النظر إلى اللقاء الذي عقد في اليرزة، أول من أمس، إلا على أساس أنه دخول سعودي قوي على خط الأزمة الرئاسية، لافتة إلى أن ما ينبغي التوقف عنده، هو أن المملكة عادت من البوابة السنية، حيث جمع اللقاء سفيرها وليد بخاري والمبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان مع غالبية النواب السنة، الأمر الذي له دلالات كبيرة.
وتلفت هذه المصادر إلى أن العمل على ترتيب البيت السني الداخلي، هو هدف سعت الرياض إليه كثيراً في الفترة الماضية، تحديداً بعد إبعاد أو إبتعاد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن الحياة السياسية، بالرغم من المطبّات التي كانت تصطدم بها، الأمر الذي قاد إلى شرذمة كبيرة داخل هذا البيت، دفعت البعض للحديث عن أن السعودية لا يمكن أن تنجح في لبنان، من دون معالجة هذا الخلل في البيئة الأساسية لنفوذها.
من حيث المبدأ، ترى المصادر نفسها أنه ما بعد لقاء اليرزة لن يكون كما قبله، على مستوى الدور السعودي، فالرياض بعثت برسالة هامة عنوانها الأساسي: "أنا هنا"، وبالتالي أي تسوية مستقبلية يجب أن تكون شريكة بها، الأمر الذي تسلم به قوى الثامن من آذار، التي تشدد على أنها لا ترغب بالذهاب إلى حلول من دون التفاهم مع المملكة، لكن توقيت هذه الرسالة من الممكن طرح الكثير من علامات الإستفهام حوله.
في الإطار العام، تشير المصادر السياسية المطلعة إلى أنه لا يمكن تجاهل التفاهم السعودي الإيراني، الذي بدأت مفاعيله بالظهور من خلال الزيارة التي يقوم بها وفد من حركة "أنصار الله" إلى الرياض في هذه الأيام، والجميع يعلم أن المملكة تضع الملف اليمني على رأس قائمة أولوياتها، وتعتبر أن "حزب الله" قادر على لعب دور مهم فيه، في حين كان وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، في زيارته الماضية إلى بيروت، قد أشار إلى أننا "سمعنا تصريحات إيجابية من المسؤولين السعوديين بشأن دعم لبنان".
من حيث المبدأ، ترى هذه المصادر أنه يمكن الحديث عن أن الملف الرئاسي دخل مرحلة مهمة، وضعت الرياض خطوطاً عريضة لها، عنوانها عدم العودة إلى الطروحات الماضية، أي رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور، الأمر الذي لا يبدو أن قوى الثامن من آذار في طور الموافقة عليه، على إعتبار أن ذلك يتطلب الحصول على ثمن مقابل، خصوصاً أن المطروح هو الذهاب إلى مرشح "تسوية"، تعتبر هذه القوى أنه أقرب إلى الفريق الآخر، نظراً إلى أن الأخير هو من ذهب إلى تسميته في البداية، أي قائد الجيش العماد جوزاف عون.
في المحصلة، تلفت المصادر نفسها إلى أن ما تقدم يعني أن المفاوضات الجدية بدأت، من منطلق أن اللاعبين الأساسيين دخلوا على الخط مباشرة، من دون أن يعني ذلك القدرة على الوصول إلى حلول في وقت قريب، نظراً إلى أن القراءة الموضوعيّة تفرض الحديث عن أن هذه المفاوضات قد تنجح في الوصول إلى نتائج إيجابيّة، كما أنها قد تفشل وتعيد الأمور إلى المربّع الأول، الأمر الذي لا ينفصل عن تلك المرتبطة بالملفات الإقليميّة، خصوصاً الملف اليمني.