عندما سمعنا لهجة سائق سيارة الـgolf car السياحية في مدينة البترون سألته "إنتَ من بعلبك؟" فأجاب "نعم أنا من بعلبك ولكن صرت زورها كل سنة مرة متل ما بتقول السيّدة فيروز"، هنا كان من الطبيعي أن أسأله "ليش؟" لتبدأ القصة.
"صحيح أنني من حي الشراونة المشهور بصيته كمأوى للمطلوبين من تُجّار المخدرات وحبوب الكابتاغون وعصابات السرقة والخطف مقابل فدية والقتل، لكنني من المؤمنين بالدولة وعُشّاقها، أنا مغوار بحري في الجيش اللبناني وأخدم في ثكنة عمشيت، ولست من المطلوبين، لكنني أزور بعلبك قليلاً لأن إمكاناتي المادية بطّلت تسمح، فكيف بدّي عبّي سيارتي بنزين حتى أطلع على مدينتي ولعند أهلي؟" يقول السائق بِغَصّة.
فعلاً من المؤسف جداً أن تسمع كلاماً كهذا من مغوار في الجيش خضع للكثير من الدورات التدريبية كي يُصبح من أفواج النخبة في المؤسسة العسكرية، والمؤسف أكثر وأكثر عندما يكشف أن دوام خدمته في الجيش يقتصر على يومين فقط مقابل مأذونية أسبوع أو ثمانية أيام كي يُفسح له المجال بالعمل خارج الجيش لتأمين متطلبات عيشه التي لم يعد راتب العسكري كافياً على تأمينها.
حسناً هو ما فعلته قيادة الجيش عندما سمحت للعسكريين بالعمل خارج الجيش للإستمرار وعائلاتهم في ظل الإنهيار الإقتصادي الذي سحق رواتبهم، وصائباً كان قرارها بإعطاء التعليمات الى قادة الثكنات والأفواج للتساهل مع كل عسكري يريد أن يرتّب دوام خدمته بطريقة تسمح له بالعمل خارج المؤسسة كي يحصل على راتب أو مدخول مادي آخر، ولكن ما هو غير صائب على الإطلاق هو ما تصدره حكومة تصريف الأعمال من مقررات أحياناً وآخرها الذي صدر في جلسة الإثنين الفائت عن إقفال الحدود مع سوريا وضبط المعابر غير الشرعية لمنع تهريب البشر وأي شيء آخر عبرها. وهنا لا بد من السؤال، أبِهذا الجيش تريد الحكومة أن تقفلَ الحدود مع سوريا وأن تضبطَ المعابر غير الشرعية؟ ألا تعلم هذه الحكومة أن طول هذه الحدود مع سوريا يبلغ 375 كيلومتراً ينتشر عليها 108 مراكز للجيش و38 برجاً للمراقبة ويتناوب فيها 8000 عسكري ليلاً نهاراً؟ ألا تعلم هذه الحكومة أن هذا العديد المؤلف من 8000 عسكري على حدود متداخلة جغرافياً وبهذا الحجم غير كافٍ أبداً لإقفالها؟.
بلى هي تعلم جيداً بكل هذه التفاصيل وقد سمعتها بلسان قائد الجيش العماد جوزاف عون الذي قال أمام الوزراء ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي إنه بحاجة الى 40 ألف عسكري لضبط الحدود بينما القوة المنتشرة على الحدود مع سوريا هي 8000 فقط.
بلى هي تعلم لكنها لا تريد أن تعترف بأن سياساتها وسياسات الحكومات التي سبقتها فيما خصّ ملف النزوح السوري فاشلة وتدميرية بحق البلد وهي التي أوصلت لبنان الى ما وصل اليه، وإذا فُتح تحقيق شفاف في يوم من الأيام سيكتب التاريخ عن حجم هذه المؤامرة وسيحاسب كل مسؤول رئيس حكومة ووزير ورئيس حزب تاجر بملف النازحين وزايد إنسانياً بمسألة إستقبالهم إما عن قصد وتواطؤ مقابل تقاضيه من الخارج ثمن هذه الجريمة، وإما عن هبل وغباء وقِلّة إدراك ووعي، ولكن النتيجة واحدة للأسف بين المتواطئ والغبي.