قبل نحو شهرين، أثار قرار البرلمان الأوروبي بالتصويت بأغلبية ساحقة على قرار يدعم بقاء النازحين السوريين في لبنان "صدمة" في الأوساط اللبنانية، على إعتبار أن بيروت كانت تراهن، في ذلك الوقت، على الإنفتاح العربي على دمشق، لتسريع وتيرة معالجة هذا الملف، وبالتالي كان هذا القرار بمثابة الضربة الموجعة لهذه الرهانات.

في ذلك الوقت، تصاعدت حدّة التصريحات اللبنانية المحذرة من خطر هذا القرار، والتي كانت تمثل شبه إجماع من قبل مختلف القوى المحلية، أمّا عملياً لم تتم المبادرة إلى أي خطوة، لكن خلال وقت قصير، وجد اللبنانيون أنفسهم أمام موجة جديدة من النزوح، وصلت إلى حد وصفها من قبل القادة العسكريين والأمنيين بـ"الخطر الوجودي".

هذا الواقع، أعاد ملف النازحين السوريين إلى الواجهة من جديد، على وقع إنتظار الزيارة التي من المفترض أن يقوم بها وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب، على رأس وفد، إلى سوريا، لبحث هذا الملف بين البلدين، بعد أن كانت هذه المهمة قد اصطدمت بالعديد من العراقيل، لكن الأساس يبقى في مكان آخر، قد يكون أمام بيروت فرصة من أجل تحريكه.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه على أهمية التنسيق اللبناني السوري في هذا المجال، خصوصاً أن دمشق لم تذهب إلى أي موقف سلبي على المستوى العلني، إلا أن ما ينبغي التنبه له هو أن القرار بالتسهيل مرتبط بموقف الجهات الغربية والأوروبية، وبالتالي لا يمكن الحديث عن إقتراب موعد المعالجة الفعلية قبل حصول تطور في هذا المجال.

وتلفت هذه المصادر إلى أن التعامل مع هذا الملف، يفترض أن يدفع المعنيين إلى إدراك أن الواقع السوري الداخلي، بغض النظر عن حقيقة موقف الحكومة في دمشق، لا يساعد على توفير معالجة سليمة لهذا الامر، بدليل موجة النزوح الجديدة التي تنطلق من أسباب إقتصادية بالدرجة الأولى، ما يعني أن المعالجة الحقيقية يجب أن تأخذ أبعاداً مختلفة، وهي لا تقتصر على جهود البلدين فقط.

هنا، تعود المصادر نفسها إلى ربط الجانب السوري المعالجة الحقيقية بالعقوبات والضغوط الاقتصادية المفروضة على دمشق، مع العلم أن الأخيرة كانت تراهن على الإنفتاح العربي، للحد من سرعة التدهور الاقتصادي القائم لديها، إلا أن هذا الأمر لا يتم بالسرعة المطلوبة، لا بل يواجه العديد من العراقيل، التي كان أبرزها موقف بعض الجهات الغربية.

في مطلق الأحوال، تشدد المصادر المتابعة على أن الواقع اللبناني الداخلي لم يعد يحتمل الإنتظار، وبالتالي من الصعب تصور إمكانية بقاء الوضع على ما هو عليه، إلى حين تبدل الموقف الغربي من الملف السوري، وبالتالي من المفترض البحث عن حلول أخرى، لا تقتصر فقط على التواصل أو التنسيق مع دمشق، على إعتبار أن الأخيرة قد تعيد التأكيد على أن أبوابها مفتوحة، لكن في المقابل لا يبادر النازحون إلى العودة، بل على العكس سيحاول الآلاف العبور إلى لبنان.

من وجهة نظر هذه المصادر، هناك تحول من المفترض أن يتوقف عنده المسؤولون اللبنانيون، يكمن بالموقف القبرصي الذي تم التعبير عنه نهاية الأسبوع المنصرم، تمثل بإعلان وزير الداخلية هناك كونستانتينوس يوانو أنه سيحاول إقناع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بإنهاء وضع سوريا كدولة غير آمنة لا يمكن إعادة النازحين إليها، مشيراً إلى أن "لبنان حاجز. إذا انهار، فستواجه أوروبا بأكملها مشكلة"، ما يعني أنّ الجزيرة الأوروبية باتت تدرك جيداً حجم الخطر القائم، في ظلّ الموجة الجديدة من النزوح التي يشهدها بلد الارز.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، هذا الواقع من الممكن أن تستفيد منه بيروت على أكثر من صعيد، بدءاً من التنسيق مع الجانب القبرصي لدعم وجهة نظره داخل الاتحاد الأوروبي، كخطوة أولى، أما في حال عدم تحقيق النتائج المطلوبة، فقد يكون عليها، بطريقة أو بأخرى، تعزيز المخاوف التي تحدثت عنها، على إعتبار أنّ الجانب الأوروبي لن يبادر إلى التحرك ما لم يشعر بالخطر، ومن الطبيعي ألاّ تكون مهمة الجانب اللبناني طمأنته.

في المحصّلة، هي فرصة كي يتوجه الجانب اللبناني، في المرحلة الحاليّة، إلى أصل المشكلة، بعد سنوات من المعالجة الخاطئة لهذه الأزمة، حيث سيطرت مساعي الإستغلال ومحاولات الكسب المادي الرخيص، بدل الاستمرار في سياسة المتفرج الذي يكتفي بالصراخ فقط، في حين هو لا يبادر للقيام بأي خطوة عملية، حتى ولو كانت مجرد تهديد بترك الأمور تخرج عن السيطرة.