أشار البطريرك الماروني الكاردينال ​مار بشارة بطرس الراعي​، تعليقًا على إمكانية تأسيس مركز بطريركي في دول الانتشار، إلى أنّه "حُكي أكثر من مرة في هذا الموضوع على ايام البطريركَين الراحلَين أنطون بطرس خريش ومار نصرالله بطرس صفير، على ان يكون المركز في واشنطن، ثم صُرف النظر عن الأمر. انا شخصيا مع الفكرة، لكن علينا ان نفكر كيف ستكون وكيف سيكون عملها وكيف تنسق بين الانتشار و​لبنان​".

وعن "رسائله المستمرة وعالية السقف الى السياسيين، ولماذا لا يسمعها المعنيون؟"، أكّد في مؤتمر صحافي في بيت مارون- دار الأبرشية المارونية في ستراثفيلد في سيدني، أنّ "لا احد أطرش، الكل يسمع ويطلب كلمتنا حرفياً من السياسيين الى سفراء الدول، والاكيد ان اللبنانيين يسمعون، ونحن لن نسكت لان الكلمة لا تموت وستفعل فعلها في يوم من الايام. نحن نتحدث عن المبادئ ولا ندخل في زواريب السياسة، ونخاطب ضمير رجال السياسة فنحن لا نسكت على الظلم".

وبالنسبة الى انتخابات ​رئاسة الجمهورية​، شدّد الراعي على أنه " لا يوجد أي مبرر لأن لا يكونوا قد انتخبوا رئيسا للجمهورية منذ ايلول الماضي عملاً بالماده 73 من الدستور"، مجدداً دعوته للمجلس النيابي الى "عقد جلسات متتالية وفقاً للدستور ودون تعطيل النصاب، لانتخاب رئيس للجمهورية". وذكر "أنّنا في أستراليا اليوم، حيث القانون والدستور فوق كل اعتبار وفوق الجميع، اما عندنا فيتباهون بمخالفة الدستور. لذلك لا يوجد اي مبرر ألا يُنتخب رئيس للجمهورية منذ شهر أيلول الماضي اذا طبقنا الدستور".

وعن زيارته الى الجبل، أوضح أنّها "متابعة للمصالحة التي جرت سنة 2001، وهي مصالحة تاريخية ونهائية، وفي زيارتنا الاخيرة ركزنا على امر اساسي، وهو أنّه اذا لم توجد فرص للعمل فالمسيحيون لا يستطيعون العودة، ويجب ان يكون هناك المزيد من الثقة والتطور في المصالحة، وتحقيقها عملياً عن طريق فرص العمل والثقة، لان المصالحة هي مصالحة نهائية، والصداقة التي نعيشها تعزز الثقة".

وركّز على أنّ "علينا ان نعزز الصداقات لكي لا يأتي يوم ويخرب كل شيء لسبب او لاخر. وهذه هي زيارتي الثالثة، وهي كانت مع شيخ العقل الجديد، وكذلك الوقفة في بعقلين كان موضوعها ثمار المصالحة وما يُرجى منها، واللقاء في المختارة مع النائب السابق وليد جنبلاط الذي جمع كالعادة كل الشخصيات الدرزية والمسيحية. وفي الخلاصة كانت الزيارة جيدة جدا".

وعن طرح أسماء للرئاسة، لفت الرّاعي إلى أنّ "بكركي لا تقول "فلان" أو "فلان"، فهذا ضد الديمقراطية وضد عمل المجلس النيابي. وبعد ان انسحب المرشح ميشال معوض من السباق اثر جلسات عدة، انسحب لخير لبنان ولصالح انتخاب رئيس، ونحن نقدر موقفه. وفي جلسة حزيران الماضي، نال رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ 51 صوتاً، والوزير السابق ​جهاد أزعور​ 59 صوتاً، ثم أوقف رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ الجلسة وما زالت واقفة".

وسأل: "ما المطلوب؟"، مشيرًا إلى أنّهم "يتحدثون في الكواليس عن ضرورة التفتيش عن مرشح ثالث، ونحن نقول لا، من أجل كرامة المرشحَين فرنجية وأزعور واحتراماً لمن رشحهم، يجب اكمال الانتخابات في دورات متتالية ويفوز من يفوز. واذا لم يحقق أحد الفوز بالاكثرية نتيجة تضييع الأصوات، فحينها تفضلوا الى الحوار الذي تتحدثون عنه الآن، وتشاوروا حول شخصية جديدة".

كما كشف "أنّه قال للموفد الفرنسي: لماذا لا تعقد الجلسات حسب الدستور؟ ولكن لا احد يسمع والبلد يموت ولا احد يسأل. نحن أمام ديكتاتوريات تعبث بالبلد وبالشعب". وعن الحوار الذي دعا اليه بري، أفاد بأنّ "هناك لغطا حول ما قلناه، وانا دائما اقول وقبل دعوة بري، إن الحوار هو في التصويت في المجلس النيابي. الحوار هو الانتخاب، والتوافق هو الانتخاب. وانا لم اقل انني مع الحوار، بل قلت اذا تم الحوار بعد موافقة الجميع عليه، والمجلس النيابي اليوم في حالة انتخابية، وفي الانتخاب يتحاورون".

وبالنسبة لتعليم التلاميذ وادخال امور ضد تعاليم الكنيسة في المواد التعليمية، بيّن البطريرك الماروني أنّ "وزير التربية قد جلب لنا مناهج احلناها للامانة العامة للمدارس الكاثوليكية للنظر فيها، وما اذا كان فيها شيء من هذه المواد، وهذا الموضوع في عهدتهم ولم نناقشه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال ​نجيب ميقاتي​. كما انشأنا لجنة من المطارنة لدراسة الموضوع من جميع النواحي، وسنصدر وثيقة رسمية لكل ابناء كنيستنا حول هذه المواضيع". ودعا الأهل إلى "السهر على تربية اولادهم عن قرب، لكي نحمي اجيالنا من الافات الجديدة".

وعن خطر ​النزوح السوري​ على لبنان وكيانه وهويته، شدّد على أنّ "عليكم إقناع السلطات المحلية في الدول التي تتواجد فيها جاليات لبنانية، بضرورة السعي الى معالجة هذه القضية، لأن لبنان يتحمل وزر أعباء هائلة على المستويات كافة، جراء وجود مليونين من النازحين السوريين أي ما يعادل نصف سكان لبنان. هذا النزوح يمثل أكبر خطر اقتصادي وأمني وثقافي وسياسي وديموغرافي، بينما المجتمع الدولي يرفض الإصغاء الى مطالب لبنان ويردد الكلام نفسه".

ورأى أنّه "موقف سياسي يراد منه اطاحة النظام في سوريا، ولذلك يرفض الاتحاد الأوروبي مساعدة النازح السوري داخل سوريا، ويصر على مساعدته في لبنان، ما جعل لبنان وحده يدفع الثمن"، مركّزًا على أنّه "يتعين علينا إقناع المجتمع الدولي بأن لبنان لا يقدر ان يستمر ويتحمل هذه العبء الكبير. وليست هذه هي الطريقة التي يتم بها مكافأة لبنان لاستقباله النازحين كعمل انساني".

وعن مصير لبنان في ظل هذه الأزمات، جزم الرّاعي أنّ "وطننا لبنان هو قيمة حضارية وهو رسالة ونموذج للشرق والغرب، ومسؤوليتنا المحافظة عليه مهما كلف الأمر. وأنا أعتقد انه بفضل اللبنانيين في الانتشار، باتت الدول تحترم لبنان".

إلى ذلك، أكّد "أنّنا نمر في مرحلة صعبة للغاية، ولكنها ستنتهي عاجلاً ام آجلاً. يجب ان نحافظ على تضامننا وتراثنا وارثنا والوحدة الداخلية التي تجمعنا، لأن ما أضعفنا جاء نتيجة التشرذمات الداخلية، ليس فقط على المستوى المسيحي، وانما على المستوى كل لبنان الذي جعلوه مجموعة طوائف تتنافس على الحصص".

ولفت إلى أنّ "هذا ليس لبنان الحقيقي. لبنان الحقيقي هو الذي رسم سياسته البطريرك الراحل الياس الحويك في مؤتمر فرساي في باريس سنة 1920، ليكون الانتماء الى لبنان عبر المواطنة لا عبر الدين. فأنا لبناني ثم مسيحي ماروني وليس العكس".

وأوضح الرّاعي أنّ "لبنان دولة تحترم الله، والبرلمان اللبناني لا يشّرع أي شيء يناقض الشريعة الألهية. لبنان يحافظ على الجميع ويوفر الحقوق للجميع مثل الفسيفساء، تعددية في الوحدة وانفتاح على كل الثقافات والدول، وإقرار بكل الحريات التي تنص عليها شرعة حقوق الإنسان. ولبنان البلد الوحيد في الدول العربية الذي وقّع شرعة حقوق الإنسان، وهو أرض الحريات وليس الفوضى".

وأضاف: "مشكلتنا ان ​اتفاق الطائف​ لم يطبق كما يجب لا بالنص ولا بالروح. وهكذا أصبحنا من دون سلطة قادرة ان تحسم لا رئاسة الجمهورية ولا رئيس الحكومة، وبات القرار للحكومة مجتمعة ولذلك عمت الفوضى"، مشدّدًا على أنّ "المطلوب الجلوس والبحث في جوهر المشكلة، ولهذا أدعو الى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان ليطبق الطائف وتنفذ قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701، التي تختص بسيادة لبنان وترتبط بالطائف. والعمل ايضاً على حل قضية النزوح السوري، وتثبيت هوية لبنان الأساسية بالحياد الإيجابي الذي يرسّخ لبنان كأرض تلاقي الثقافات والحضارات".

وعن ​الفدرالية​ التي ينادي بها البعض، اعتبر أنّ "فلسفة لبنان هي ان نعيش معاً كمسيحيين ومسلمين، وعلينا ان نكون واقعيين إذ لا يجوز عند كل صعوبة ان تطرح الفدرالية كحل بديل. اتفاق الطائف ينص على اللامركزية الإدارية، فلنطبقها". وتساءل: "من قال اننا لا نستطيع العيش معاً؟ لا بل بالعكس ان انفصالنا عن بعضنا البعض كمسيحيين ومسلمين، سيؤدي الى انهيار لبنان". وذكر "أنّنا بلد متنوع ولكن بوحدة. لنبدأ بتطبيق اللامركزية الإدارية التي تلزم الجميع بدفع الضرائب والرسوم بشكل منصف".

كما دعا الرّاعي السياسيين في لبنان الى "التروي والتعقل والتفكير بمصلحة لبنان ككل"، مناشدًا المنتشرين "اتخاذ المواقف الرافضة لتشرذم لبنان".