سرقني ويعرّف بنفسه "بروفسور" ومتقاعداً في الجامعة اللبنانيّة، وكان يشرف على أطاريح الماستر والدكتوراه. سرق أثمن ما في عمري من أبحاثٍ ومؤلفات تجاوزت ال26 دون احتساب المخطوطات 23 . صار السارق يوماً أحد أعضاء الهيئة الإدارية لما كان وما زال يُعرف ب"إتّحاد الكتاب اللبنانيين" الذي تمنّيت على رئيسه الشاعر بلال شرارة يوماً، أن يسمّونه "إتّحاد كتّاب لبنانيين" بلا الألف واللام، لسببين وجيهين أوّلهما، أنّ رئاسة إتّحاد الكتّاب اللبنانيين كان يشغلها البروفسور وجيه فانوس رحمه الله وقد جمعتنا طلاّباً مقاعد كليّة التربية في الجامعة اللبنانية التي كانت تُعرف ب"دار المعلّمين العليا"، افترقنا لنيل الدكتوراه خارج لبنان: التحق وجيه بجامعة أكسفورد وأنا بجامعة السربون، وعدنا لنلتقي دوريّاً بعد سنوات طويلة عبر رئاسة أو عضوية لجان مناقشة طالبات وطلاب الدكتوراه في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية. أثرت موضوع السرقة الموصوفة مع أخي وجيه وبعض أعضاء الإتّحاد من دون نتيجة سوى الإحراج، وهنا يحضر السبب الثاني لأنّه من غير الجائز أو اللائق على الإطلاق أن يصل "الدُكيتر" ليصبح عضواً في اتّحاد الكتّاب يحاضر في الجامعة ويُشرف أطاريح الماستر والدكتوراه حتى تقاعده.
ماذا سرق لي هذا العضو في إتّحاد كتّاب بلا ألف ولام؟
سرق لي أطروحتي الثانية للدكتوراه وهي بعنوان "الإعلام وانهيار السلطات اللغوية"(905 صفحات) وهي عصارة 25 سنة من الجهود والأبحاث الأكاديميّة عبر التعليم العالي. طُبعت الأطروحة ونُشرت عن "مركز دراسات الوحدة العربيّة" (529 صفحة) تحت الرقم 50 ضمن "سلسلة أطروحات الدكتوراه في البلاد العربيّة". ومن المعروف أنّ المركز المذكور هو من أعرق مراكز الدراسات العربيّة ولا حاجة عند ذكره للتعريف به سوى طلب الرحمة الكبرى لمؤسّسه ورئيسه الدكتور خير الدين حسيب الذي خسره الفكر العربي.
وقعتُ على السرقة بالصدفة بواسطة نقرة على "الغوغل"، إذ رحت في البحث عن إسمي بقصد السلوى والبحث عن الذات، وهالني أن أجد دراسات ومحاضرات لي منشورة في الأردن وغير الأردن بالإضافة إلى كتابٍ كامل لم يغيّر فيه سوى العنوان. محا "الدكتور" بين قوسين بحبره المسروق حبري وتعبي تماماً، واعتبرني، كما أسرّ لي أحد الزملاء الذي أثار معه الموضوع قبل تقديم الشكوى، بأنّني قد فارقت الحياة الدنيا. وهنا حكاية مماثلة أكاديمية صغيرة:
نبّهت دكتورة كانت زميلةً لي في المعهد العالي للدكتوراه، نبّهت إحدى طالباتي التي لطالما ألحّت بأن أكون المشرف على أطروحتها في "الذكاء الإصطناعي" إذ نصحتها بالإبتعاد عنّي لكوني كما قالت لها أُعاني من مشاكل صحيّة ولربّما أدركني الموت قبل أن تنهي أطروحتها معي. عندما أخبرتني تلك الطالبة ضحكت ولم أتفاجأ لأنّ الأمور المماثلة تعكس تنافساً بين الأساتذة في الحياة الأكاديمية حتّى في أعرق جامعات العالم. ألححت على الطالبة التي لم تشأ أن تفصح لي عن إسم الزميلة. قلت لها: لن أشرف على أطروحتك إن لم أعرف الإسم. حشرتها لتنطق إسم الزميلة بل الصديقة المقرّبة. أخذت هاتفي الخلوي أمام الطالبة وهاتفت الزميلة بلطفٍ كامل وصداقة ومحبّة من دون أيّ كلمة عتاب. وما زلنا،وأشرفت على الطالبة التي باتت دكتورة وخبيرة في صناعة الذكاء.
ولنتابع...
بحثت عن رقم هاتف البروفسور السارق عبر الغوغل. اتّصلت به الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. سألته عن إسمه فقال مذعوراً :نعم وما الخطب في هذا الليل؟ وما أن لفظت إسمي، حتّى راح يعتذر ويعتذر معترفاً معتذراً لكأنّه يودّ تقبيل يديّ عبر الهاتف متوسّلاً راجياً السترة. شاورت عضو مجلس النقابة المحامي القدير الصديق ماجد سميح فيّاض بالأمر فأشار عليّ بدعوى قضائية يمكن التمهيد لها تخفيفاً أو تحضيراً ولربّما حفاظاً على صورة الجامعة، بشكوى تمهيديّة إلى رئاستها التي كانت يومها بعهد الدكتور زهير شكر. منذ 35 سنة رفعت الشكوى ولم أحصل على أيّ إشارة أو جواب بعدما تقاعدت منذ عقد متابعاً في المعهد العالي للدكتوراه، وأعلنت منذ شهر خلال مناقشتنا لأطروحة دكتوراه أشرفت عليها طيلة سنواتٍ خمس حول الفرانكوفونية في لبنان بإختتام حياتي الأكاديمية مشرافاً أو مشاركاً بمناقشة الأطاريح في المعهد العالي.
لم أتسلّم حتّى الآن سوى اتّصالٍ من عميدٍ صديق قال: ذهبت الدعوى للحفظ لأنّك تنازلت عنها. أنا لم ولن أتنازل عنها قطّ ولو بعد ألف. هي الأكاديميا...
أحلف بقدسيّة الحبر الذي سحبته البشرية من الأسماك الحرّة، نعم الحرّة في مياه البحار والمحيطات والأنهر والسواقي وأنا أختم الآن، حيث تُسرق الأوطان وفي رأسها وطني لبنان، أنّني لا علم لي بما سمعت حول التنازل.
أذكر فقط أنّ أحد كبار المستشارين في الجامعة وقد تبوّأ منصباً وزارياً تواصل معي وأطراني وطيّب خاطري وقال: إنسَ. لكنني ما نسيت....