تعتبر الجمعية العامة للأمم المتحدة منبرًا يجتمع فيه الدول الأعضاء لمناقشة القضايا العالمية الملحّة. وهي راهنًا، تلعب دورًا في التعامل مع قضايا مثل الحروب والجوع والفقر المدقع، بالإضافة إلى مشكلة التغيّر المناخي المتطرّف والعاجلة الّتي تعصف بأجزاء كبيرة من الكرة الأرضية. على الرغم من جهودها، إلا أن فعاليتها في إيجاد حلولٍ دائمًة لهذه التحديات أصبحت محلّ شكّ.
باعتبارها تضم 193 دولة، تهدف الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تعزيز التعاون الدولي وتعزيز السلام والأمن على الصعيدين الوطني والدولي. إنها توفر منتدى للدول للتعبير عن مخاوفها وتبادل الأفكار والعمل نحو أهداف مشتركة. من خلال القرارات والمبادرات، وتسعى الجمعية المذكورة للتخفيف من حدّة النزاعات ووقف الحروب التي تسبب معاناة هائلة للمدنيين الأبرياء.
ومع ذلك، الحقيقة أن قدرة الجمعية على وقف الحروب ومنع التصاعد الى أزمات كبيرة قد تعرّضت للتقييد. وفي حين قد تلتزم الدول الأعضاء بحلول سلميّة، فإن المصالح السياسية والديناميات السلطويّة في كثير من الأحيان تعيق العمل الفعّال. ونتيجة لذلك، يبقى تأثيرها في وقف الحروب تحدّ لا تستطيع معه الخروج من مصالح الدول العظمى، الّتي تسيطر على قرارات الجمعية ولو جاءت كلمات رؤساء بعضها منمّقًا الى حدّ تخال فيه أن طوباويّة الخطابات ستنعكس سلامًا ناعمًا يشق طريقه من دون أثمان باهظة في الاقتصاد والسياسة. وبأن ما يُطبخ في مطابخ السياسة العالمية لهذه الدول سيأخذ بعين الاعتبار الاهتمام شؤون وشجون الانسان ومن أجل الانسانية والبشرية مجتمعة.
وعلى سبيل المثال، فقد أظهرت جهود الجمعية العامة في مكافحة الجوع والفقر المدقع نتائج متباينة. حيث أنشأت برامج ومبادرات متعدّدة، مثل أهداف التنمية المستدامة، للقضاء على الفقر وضمان الأمن الغذائي. ومع ذلك، يشير استمرار حدوث المجاعة في بعض دول العالم وزيادة عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع إلى أنه يجب القيام بالمزيد.
الاّ أنّه وعلى الرغم من القيود المفروضة عليها، فقد لعبت الجمعية دورًا كبيرًا في زيادة الوعي وتعبئة الموارد للتعامل مع هذه القضايا العاجلة. حيث وفّرت منصاتها وسيلة للحوار والتعاون، مما يمكن الدول الأعضاء من مشاركة أفضل الممارسات وتنسيق الجهود. مع التركيز الذي توليه الأمم المتحدة على التعاون الدولي في مجال التنمية الّذي أدى إلى زيادة المساعدات والدعم للدول المنكوبة بالفقر، هذا اذا استثنينا الاستنسابيّة في التعامل، وفي هذا السياق لا بدّ من الاشارة الى التفاوت الّذي ظهر عند حدوث الزلزال المدمّر لتركيا وسوريا، حيث أغدقت دول العالم بمساعداتها على الأولى وحجبتها او تأخّرت كثيرا لتتحرّك باتجاه الثانية، اضافة الى المثال القائم حاليًّا تجاه الحرب الحاصلة في السودان، ووقوف الامم المتحدة موقف المتفرج، وهي تخلّت عن مهمّتها الانسانية خلال اعصار "دانيال" وما تسبب به في منطقة "درنة في ليبيا، ونصل الى لبنان وتعامل الجمعية العامة للامم المتحدة بعنصرية قلّ مثيلها مع ازمة النازحين السوريين الهاربين من ازمتهم الاقتصادية، والّذين باتوا يشكّلون خطرًا وجوديًّا على هذا البلد الغارق أساسا في فساد العصابات السياسية من مسؤوليه، حيث زاد الانهيار انهيارا والعبء عبئًا في ظل تغاضٍ وتعامٍ شامل وكليّ عن ايجاد الحلول ورفد المساعدات على السوريين وحجبها عن اللبانيين الّذين باتوا يعيشون أوضاعًا صعبة جدًّا.
علاوة على ذلك، تمتلك الجمعية العامة للأمم المتحدة القدرة على ممارسة الضغط على الدول التي تنطلق منها انبعاثات أدى ويؤدّي الى التغيّر المناخي الشديد التطرّف، من خلال قمم المناخ والاتفاقيات، مثل اتفاق باريس، والّذي يهدف إلى التخفيف من التأثيرات الضارة للتغيير المناخي. وعلى الرغم من تحقيق تقدّم، إلا أن بعض الدول ما تزال تعطي الأولوية لمصالحها الاقتصاديّة الخاصة على استدامة البيئة. فتبقى قدرة الجمعية العامة للأمم المتحدة على التأثير ومساءلة هذه الدول تحديًا.
في الختام، وفي حين وجب على الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تلعب دورًا حيويًا في مواجهة القضايا العالميّة مثل الحروب والجوع والفقر وتغير المناخ، فإن فعاليتها في إيجاد حلول دائمة محدودة جدًّا. لأنّ العوائق السياسية والمصالح المتعارضة والديناميّات الدكتاتوريّة والسلطوية لكبار الدول الّتي تتغنى بالديمقراطيّة غالبًا ما تعيق قدرة الجمعية على اتخاذ إجراءات حاسمة. ومع ذلك، تعتبر منبرًا هامًا لزيادة الوعي وتعبئة الموارد وتعزيز التعاون الدولي. ومع مواجهة العالم لهذه التحديات الملحة، فإنه من الضروري أن تعمل الدول الأعضاء معًا وتعزّز دور الجمعية في صياغة مستقبل أكثر سلامًا وازدهارًا واستدامةً.