منذ أيام وبعد اجتماع اللجنة الخماسية الدولية في نيويورك لبحث الملف اللبناني والأزمة الرئاسية فيه، برز خلاف بين وجهات النظر، إذ كان لافتاً الرغبة الاميركية ​السعودية​ بتحديد مهلة زمنية للمبادرة الفرنسية، فسأل رئيس الحزب الاشتراكي السابق ​وليد جنبلاط​ "لتشرح لنا السعودية ماذا تريد، لأن الأمور أصبحت بمستوى صارخ وغير مقبول، هناك من يلعب مع اللبنانيين"، وهو سؤال قد يكون في مكانه في هذه الفترة.

من المفيد العودة الى الماضي القريب عندما كانت المملكة ترد على من يسألها عن موقفها في لبنان بالقول أنها لا تريد شيئاً وتترك للبنانيين حرية اختيار رئيسهم وتشكيل حكومتهم ومن ثمّ تبني على الشيء مقتضاه بما يتعلق بالعلاقة مع لبنان، وليس خافياً على أحد أن الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ تمنى بشدة على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في إحدى الزيارات "الإشارة الى الملف اللبناني" في ختام المحادثات، وهو لم يكن يرغب به بن سلمان.

بعد فترة من الزمن تمكّن الفرنسيون من إقناع السعوديين بمزيد من الانخراط في الملف اللبناني، لكن كانت أولوية السعودية في العلاقة مع ​إيران​ والملف اليمني بشكل أساسي، وبعد اتفاق بكين بين السعوديين والإيرانيين، ووضع الملف اليمني على سكة الحل بعد توقف الحرب، هناك من أعتبر أن المملكة ستدخل الأزمة اللبنانية من بابها العريض وهو ما لم يحصل.

في المواقف المعلنة تريد السعودية تطبيق الدستور وانتخاب رئيس يتفق عليه اللبنانيون وإجراء الإصلاحات الإقتصادية، أما في المواقف غير المعلنة فتُريد المملكة من لبنان الابتعاد عن سيطرة ​حزب الله​، فهي تعتبر أن الاخير، حليف إيران الأول، يسيطر على القرارالسياسي اللبناني، ولها في ذلك تجارب عديدة يوم كان يخوض هجوماً عليها بشكل شبه يومي، إضافة الى اتهامه بالمشاركة في الحرب باليمن الى جانب الحوثيين، وبالتالي فإن اهتمام المملكة بلبنان ينبع من أسباب إقليمية بالدرجة الأولى.

لم تقل السعودية ماذا تُريد لكنها قالت ما لا تُريده، فهي لا تُريد حواراً يدخل في صلب ​النظام اللبناني​ لتمسكها بالطائف بشكل كامل، ولا تُريد رئيساً محسوباً على حزب الله، أقله قبل أن يحصل الاتفاق الإقليمي ويكون الحزب أحد أطرافه، وهو ما يجب التركيز عليه، إذ لم يعد هناك من شكّ بأن التسوية اللبنانيّة تحتاج الى أطراف أربعة، إيران وحزب الله، السعودية و​الولايات المتحدة الأميركية​.

مؤخراً قام السفير السعودي بجمع النواب السنّة، وهو ما لم يغير كثيراً في المعادلات الرئاسية لافتقاده الى مراسيم تطبيقية، ويُدرك الجميع بالمقابل أن لا تسوية من دون الرياض، وما الحديث السعودي في العموميات سوى دليل على أن المملكة لم تصل الى ما تريده بعد للانخراط في التسوية.

تنتظر السعودية ملفات أساسية قبل أي حل في لبنان، فهي على ما يبدو تريد أن تنتظر نتائج الحوار المفتوح حول الملف اليمني، الذي تعتبر أن حزب الله يلعب دوراً مؤثراً فيه، ومن ثم مسار العلاقات مع إيران وبالتالي حزب الله، وبعد ذلك تقرر كيفية التعامل مع الملف اللبناني.

لم تترك المملكة لبنان سوى بسبب سوء علاقتها مع حزب الله وإيران، ولن تعود إليه سوى بعد انتفاء أسباب المغادرة، وحتى ذلك الوقت، لن تخرج من الرياض أي إشارات أوضح من تلك التي تكررها منذ أشهر طويلة حول ضرورة انتخاب الرئيس واجراء الاصلاحات.