على وقع العديد من التحولات التي يشهدها الملف الرئاسي، في الوقت الراهن، قد يكون من الضروري التوقف عند إنضمام الجانب الفرنسي علناً إلى دعم الخيار الثالث، من خلال المواقف التي عبر عنها الموفد الرئاسي جان إيف لودريان، بعد أن كانت باريس تدعم خيار المقايضة بين رئاستي الجمهورية والحكومة، على إعتبار أن هذا التحول ليس تفصيلاً عابراً، بل يعيد، بشكل أو بآخر، رسم التوازنات الرئاسيّة، التي وجدت فرنسا، على ما يبدو، أنها باتت تميل لصالحه.
في الصورة العامة، قد يكون من الممكن الحديث عن أن ذلك يعود إلى رفض القوى الخارجية المؤثرة في الملف اللبناني، تحديداً الولايات المتحدة والسعودية، الطرح الفرنسي السابق، الأمر الذي كانت الترجمة الأولى له تكمن بمواقف بعض الأفرقاء المحليين، قبل أن تضطر واشنطن والرياض إلى التعبير عنه صراحة، لكن الأساس يبقى مرتبطاً بالواقع الفرنسي قبل أي شيء آخر.
في هذا السياق، تلفت مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن باريس لا تملك ترف المغامرة بخسارة نفوذها أو بتعبير أدق دورها في هذه الساحة، وهي لذلك، بعد أن كانت تعتبر أن ذلك يكون عبر تفاهم مع "حزب الله"، رأت ضرورة العودة إلى عباءة اللجنة الخماسية، لا سيما مع الدخول القطري القوي على خط الإستحقاق الرئاسي، بالرغم من أن هذا الدخول لا يزال يصنف، حتى الآن، ضمن دائرة "الإستكشاف".
وتشير هذه المصادر إلى أن فرنسا تدرك جيداً أن الحل لا يمكن أن يتم من دون دخول أميركي سعودي مباشر على الخط، الأمر الذي لم تظهر معالمه الواضحة حول ما يريده الجانبان في الوقت الراهن، في حين أن "حزب الله" من الطبيعي، عندما يجد الفرصة متاحة، أن يذهب إلى تفاهم مع الرياض أو واشنطن، بدل الإعتماد على البوابة الفرنسية، خصوصاً أن باريس لا تملك وحدها القدرة على التأثير.
ما تقدم، يقود المصادر نفسها، في ضوء ما يحصل على الساحة الإقليمية، إلى الحديث عن أن باريس فضلت العودة خطوة إلى الوراء، بعد أن كانت تظن أنها قادرة على رعاية حل في لبنان، حيث تلفت إلى أنه داخل الإدارة الفرنسية هناك من يعتبر أنها قامت بكل ما يمكن القيام به، من أجل السعي إلى إيصال رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، وبالتالي هي لا يمكن أن تذهب إلى صدام مع الرياض وواشنطن بسبب الإصرار على ذلك.
في هذا الإطار، تشدد المصادر المتابعة على أن هذا لا يعني أن فرنسا قررت التخلي عن دورها، بالرغم من إقتناع معظم الأفرقاء اللبنانيين بأن الكرة باتت في ملعب الجانب القطري، وهو ما عبر عنه لودريان شخصياً في حديثه الصحافي الأخير عبر إشارتين: الأولى إعلانه أنه سيعود إلى لبنان في زيارة رابعة منذ إنطلاق مهمته، أما الثانية فكانت تأكيده عدم وجود خلافات مع باقي أعضاء اللجنة الخماسية، أي أميركا والسعودية وقطر ومصر.
وترى هذه المصادر إلى أن باريس، في المرحلة الراهنة، ستحافظ على حضورها ضمن سقف اللجنة الخماسية، الذي من المفترض أن يعبر عنه بشكل أساسي الجانب القطري، وهي لن تذهب إلى أي موقف يناقض ذلك، لكنها في المقابل ستراقب مسار الحراك المستجد، بعد أن كانت وجهت لها العديد من الإنتقادات بسبب أدائها، على أن تبقى حاضرة للعودة بشكل أكبر، في حال لم ينجح هذا المسار في تحقيق الخرق المطلوب منه.
في المحصّلة، تعتبر المصادر نفسها أن فرنسا اليوم في مرحلة إعادة تموضع على المستوى الشكلي، طالما هي تعرف أن لا حل من دون تبدل في موقف قوى الثامن من آذار من ترشيح فرنجية، أو حصول تبدّل في مواقف الأفرقاء الآخرين يقود إلى إنتخابه، وبالتالي هي ليست مضطرة لأن تكون في الواجهة، حيث توجه لها سهام الإنتقادات، بينما الجميع يدرك أن دورها لا يمكن أن يتخطّى حدود الوساطة.