افتُتحت الجلسة، جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة مع ما يرافقها من عيون شاخصة وكاميرات محدّقة وآذان صاغية. الكلّ جاء يسمع الكلّ من رؤساء وملوك. بدت الأمور طبيعية وروتينية الى حين لحظة ان رفَع السفير الإسرائيلي جلعاد إردان صورة مهسا أميني، الشابّة التي سجنت وتوفيت في سجن بلادها إيران، لأنها لم تلتزم اللباس التقليدي. موقف طبيعي ان يصدر عن أي مسؤول في العالم، ولكن ان يصدر عن مسؤول إسرائيلي، فالأمر يتطلّب سؤالاً سريعاً: أما كان أسهل على السفير المذكور ان "يَستقرِب" ويَرفع صُوَر أطفال غزّة، الذين قضوا وهُم في طريقهم الى المدرسة، خلال عملية قتل مُمهنجة تمارسها بلاده؟.
استشعر السفير "إردان" او ربما أوحيَ له بضرورة مغادرة قاعة الجمعية العامة بسبب حركة الشغب التي قام بها، فهمّ بالخروج، لكن الشرطية "سَنا" أوقفته عند الباب في اللحظة التي وصل اليها قائد الحرس الأمميّ بلباس مدني وضابط آخر، طلبوا منه بطاقته الدبلوماسية التي تعرّف عنه، لم تكن تعرف الشرطة من هي هذه الشخصية المشاغِبة في الجلسة العامة. سألوه: أرِنا بطاقتك الزرقاء؟ فردّ بالقول: "أنا سفير إسرائيل والبطاقة ليست معي، إنها على الطاولة". اقتادوه الى الخارج تنفيذاً للتعليمات القانونيّة، وأمسكت الشرطيّة اللبنانية "سنا شاهين" كتِف السفير الاسرائيلي بكل ما أعطاها القانون من حقّ، وبكل ما تحلّت به من مناقبيّة عسكرية تلقّتها في الجيش اللبناني، حيث خدمت في صفوفه عشر سنوات حتى وصلت الى رتبة "معاون أول"، قبل ان تلتحق بشرطة الأمم المتحدة في الإسكوا في بيروت، نُقلت بعدها الى نيويورك بعدما برزت كفاءتها كشرطية متمرّسة.
هي صدفةٌ خيرُ من ألف جلسة مجلس أمن حول لبنان، او جلسات مناقشات حامية في المجلس النيابي، يخرج فيها النوّاب اللبنانيّون دون مقررات تصبّ في مصلحة الوطن. ففي جلسة عامة أمميّة واحدة، حققت "سنا شاهين" موقفاً نظامياً اعتقده العالم انه غير واقعي نظراً للدلال الإسرائيلي في الولايات المتحدة، لكن إبنة قرية "كفتون" في "الكورة"، استطاعت أن تُمسك يد "المحتلّ" وتقتاده كما يُقاد المجرمون، وسجّلت للبنان نقطة انتصار دبلوماسيّة في زمن خنع السياسيون في لبنان... فحضرت سَنا.
سمر نادر
نيويورك-الأمم المتحدة