اثار الموقف الذي اطلقه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله منذ ايام، الكثير من ردود الفعل المحلية التي انقسمت بين مؤيّد له ومعارض، وذلك بعد ان هدّد بفتح لبنان اجواءه البحريّة امام النازحين السوريين للتوجّه نحو اوروبا. من الطبيعي ان تنقسم الاراء حول ما طرحه نصر الله، فمنهم من انتقده واتهمه بأنه بات يختصر لبنان بشخصه، ومنهم من دعا الجميع الى الاقتداء به ودعمه في هذا المسعى، وفي الحالتين يلعب التوجه السياسي حيزاً كبيراً في اتخاذ القرارات، فمن يدعم التوجّه السياسي لحزب الله رحّب بالموقف من دون تردّد، فيما عارضه بشدّة من يختلف في الرؤية السّياسية معه.
وبعيداً عن العواطف الحزبية والسياسية، كف يمكن قراءة موقف حزب الله من النازحين بشكل موضوعي؟ من الطبيعي ان يقلق من التغيّر الديموغرافي الذي يشكّله النازحون السوريون في لبنان، ناهيك عن الخطر الامني عليه بفعل انتماء قسم كبير من النازحين الشباب الى مجموعات ومنظمات مسلّحة منها ارهابيّة ومنها ميليشياوية من شأنها ان تؤثر من دون شك على الوضع العام للحزب في لبنان.
انما، وبغض النظر عن هذا التهديد، يمكن القول بأنّ ما قاله نصر الله في هذا المجال، لم يكن جديداً وقد قاله المسؤولون اللبنانيون من قبل بطريقة غير مباشرة، وهدّدوا باتخاذ كل التدابير القانونيّة بحق النازحين ولوحوا بالكثير من الاجراءات (وفي مقدّمهم رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي)، فيما بقيت المسألة مجرد حبر على ورق.
من البديهي ان يكون لكلام نصر الله تأثير اكبر على الساحتين الداخلية والخارجية، من كلام المسؤولين اللبنانيين، وهذا ما ادّى الى كل هذه البلبلة، ولكن من الصعب فعلاً ان يعمد الامين العام لحزب الله الى وضع التهديدات في اطار التنفيذ بسبب عوائق عدّة اولها انه لا يمثّل الدولة اللبنانية، وهو شدّد على هذا الامر في اكثر من مناسبة، منها على سبيل المثال لا الحصر عند التفاوض على ترسيم الحدود البحريّة. وهو يدرك ايضاً انه لا يمكنه تحقيق ما يريد في هذا البلد لاعتبارات متعدّدة، ولمن لا يزال يشكّك بهذا الكلام فما عليه سوى متابعة مجرى احداث الاستحقاق الرئاسي.
هذا الامر في المقابل، لا يعني ان الحزب عاجز عن التأثير على الحياة اللبنانيّة ومسار الامور فيها، فهو يملك كلمة اساسيّة ليس من السهل عدم الوقوف عندها. ويدرك نصر الله ان تنفيذ تهديده يعني عملياً القضاء على أيّ تواصل بين لبنان والمجتمع الدولي. هناك من يقول: ماذا سيخسر لبنان من هذه المواجهة؟ والجواب حاضر في مسائل بسيطة منها مثلاً الوضع الامني الذي لا يزال متماسكاً نوعاً ما بفضل المظلة الخارجية، والدعم الذي يتم تأمينه للجيش والقوى الامنية، والتحويلات التي لا تزال تشهد طريقها الى لبنان من الخارج، وعدم فتح باب العقوبات على مصراعيه على الرغم من قساوة التدابير المتّخذة حالياً في هذا المجال، فالخوف الاكبر سيكون على الوضع الامني الّذي قد يصل في هذه الحالة، الى الفلتان الشامل.
لا يحتاج حزب الله الى من يزوّده بهذه الملاحظات، فهو على دراية تامة بها، ولذلك فهو لم يقدم على مغامرات غير محسوبة في هذا السياق، ولكن الرهان على ما يبدو، هو على التجارب السابقة لدول اخرى (وفي مقدمها تركيا) التي لوّحت بفتح المجال امام السوريين لطرق ابواب القارّة العجوز، فاختلفت طريقة التعاطي الاوروبي والدولي مع هذا البلد ومع رئيسه الذي كان يعاني من عزلة مدروسة. ولكن للاسف، لا يمكن للبنان ان يكون على غرار تركيا، لانّ القرار هناك موحد ويصبّ في مصلحة المواطنين والبلد، فيما القرارات هنا لا تصب سوى في جيوب المسؤولين ومصالحهم.
كان يمكن للبنان ان يلعب لعبة "بوكر" مع اوروبا والعالم، ولعل نسبة النجاح كانت عالية جداً لو استطاع بالفعل الجلوس على الطاولة، لانّ اوروبا مرتعبة من غزو النازحين، والكل يعلم ما اتخذته وتتخذه من تدابير في هذا المجال لحماية حدودها، فيما تراها "تتمرجل" على لبنان وتفرض عليه ابقاء النازحين على ارضه غصباً عن الجميع، لانها موقنة انّ اللبنانيين لن يتفقوا على مواجهتها، حتى ولو تعلق الامر بوجودهم ووجود وطنهم. لا نصلح لان نلعب البوكر مع احد، فخسارتنا مؤكّدة حتى قبل طرح الفكرة، وعليه، سنبقى "فئران المختبر" المفضّلين لدى اوروبا ودول العالم.