في الأشهر الماضية، طغى الحديث عن ملف النازحين السوريين، لا سيما مع موجة النزوح الجديدة، على أي أمر آخر، لدرجة بات الإهتمام فيه، في الفترة الحالية، يتجاوز ذلك المتعلق بالإستحقاق الرئاسي. فهو بات المحور الأساسي في خطابات جميع القوى والشخصيات السياسية، لكن من دون نتيجة عمليّة تذكر، لا بل أن بعض هذه الخطابات، التي تعتمد على الشعبويّة فقط، قد تقود إلى تعقيد الأزمة بدل معالجتها، من خلال أخذ الأمور إلى مواجهة بين اللبنانيين والسوريين في أكثر من مكان.
في الأصل، كان هذا الملف طيّ النسيان، قبل فترة قصيرة من موعد الإنتخابات النيابية الماضية، قبل أن يستفيق المسؤولون اللبنانيون على هذا الخطر، مع تزايد موجات الهجرة غير الشرعيّة عبر البحر، الأمر الذي دفعهم إلى الإستنفار، نظراً إلى عدم رغبتهم في "إغضاب" الجانب الأوروبي، الذي يخشى هذا الخطر، لكنّه في المقابل لا يريد المساعدة في الحلّ، بل يسعى إلى تثبيتهم في لبنان، بإنتظار الحلّ السياسي الذي يبدو بعيداً.
إنطلاقاً من ذلك، تقرأ مصادر متابعة لهذا الملف، عبر "النشرة"، واقع التعامل اللبناني الرسمي مع أخطر ملف تواجهه البلاد، حيث هناك من يريد الحفاظ على مصالحه الخارجيّة، بعد سنوات من الإستثمار والمتاجرة، في مقابل من يعتبر أن هناك فرصاً حقيقية للإستفادة منه على المستوى السياسي، حيث تحول إلى مادّة أساسية في الإستحقاق الرئاسي، يتمّ من خلالها التسويق لقدرة بعض المرشحين على معالجته، أو إستهداف آخرين بحجة تقصيرهم وعدم قيامهم بما هو مطلوب منهم.
ما تقدّم لا يعني، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها، التقليل من هذا الخطر، بل على العكس من ذلك ما يحصل يرفع من مستوى المخاطر، لكنّها تشير إلى أنّ المطلوب الذهاب إلى الخطوات العمليّة التي تساعد في الوصول إلى نتائج، بدل التنافس على محاولات الإستغلال القائمة، حتى بات لكل فريق سياسي خطة يريد الذهاب إلى تطبيقها، في حين تعجز السلطات الرسميّة عن القيام بالحدّ الأدنى، لدرجة أنّ قرارا صادرا عن مجلس الوزراء منذ أشهر، ينص على تنظيم زيارة وفد إلى دمشق، لا ينفّذ، لا بل يتحول إلى مادّة سجالية بين الوزراء.
في الصورة العامّة، يمكن الإشارة إلى أنّ هذا الملف يدور بين حدّين، الأول هو موقف بعض الجهات الغربيّة، التي لا تزال تُصرّ على أن الأوضاع في سوريا لا تسمح بعودتهم إلى بلادهم، أما الثاني فهو تأكيد السلطات السوريّة أنّ هذه العودة تتطلب تحسين الظروف الإقتصاديّة، لا سيما تلك المتعلقة بالقدرة على إعادة الأعمار ورفع العقوبات الأميركيّة، الأمر الذي قد يصعّب من قدرة الجانب اللبناني على القيام بأي خطوة عمليّة، لكن الأمر ليس مستحيلاً.
في هذا الإطار، تستغرب المصادر المتابعة عدم إستغلال الجانب اللبناني الموقف القبرصي المستجد من هذا الملفّ، حيث تشير إلى أنّ ما عبرت عنه الجزيرة الأوروبيّة، في الآونة الأخيرة، كان من المفترض أن يدفع إلى تشكيل وفد رسمي يقوم بزيارتها، للبحث فيما يمكن القيام به بشكل مشترك، خصوصاً على مستوى التأثير في الموقف الأوروبي من هذا الملف، بالتزامن مع حسم مسألة الزيارة التي من المفترض أن تحصل إلى دمشق، للتداول فيما يمكن القيام به بالتنسيق بين الجانبين.
من وجهة نظر المصادر نفسها، لا يمكن الإكتفاء برمي كرة النار هذه على عاتق البلديات، التي يذهب بعضها إلى القيام بإجراءات تنظيميّة، إلى جانب أخرى تقوم بها الأجهزة الأمنية، نظراً إلى أن قدراتها شبه معدومة في هذا المجال، في ظلّ الأوضاع الإقتصاديّة الحاليّة، بالرغم من أنّ معظمها لم يقم بما هو مطلوب منه، في الفترة التي سبقت الوصول إلى هذه المرحلة، بل وَجَبَ أن يكون هذا الملف مدار بحث جدّي على المستويات العليا، مع التشديد على ضرورة الذهاب إلى خطوات عملية.
في المحصّلة، على الرغم من كل الضجة المُثارة حول هذا الملف، التي تتزامن مع إرتفاع المخاطر على كافة المستويات، لم تخرج الأمور عن إطار "الجعجعة التي لا تنتج طحيناً"، لا بل على العكس من ذلك، قد تقود إلى تزايد المواجهات التي تحصل في بعض المناطق، مع ما يعنيه ذلك من خطر الدخول في صدامات غير مفيدة، في حين أنّ المطلوب الذهاب إلى قرارات حاسمة بعيداً عن محاولات الإستثمار، السياسي أو غير السياسي، أو السعي إلى تحقيق مصالح ذاتية.