منذ أشهر، بات من الواضح أن الإستحقاق الرئاسي مرتبط بالتطورات على الساحة الإقليمية، حيث كان الجميع ينتظر بروز تدخل يقود إلى إنجاز تسوية، سواء كان ذلك عبر زيادة الضغوط على الأفرقاء اللبنانيين، أو من خلال تطور على مستوى العلاقات السعودية الإيرانية أو الإيرانية الأميركية، لكن المفاجأة كانت بالتحول الذي سُجل، نهاية الأسبوع المنصرم، على الساحة الفلسطينية، نتيجة الهجوم الذي شنته حركة "حماس" إنطلاقاً من قطاع غزة.
هذا الواقع، سيقود، من الناحية المبدئية، إلى تجميد البحث في الملف اللبناني، لا سيما أن الأفرقاء المؤثرين على الساحة المحلية باتوا منشغلين بالتطورات الفلسطينية، وبالتالي من الصعب توقع أن يبادروا إلى خطوة جديدة، أما بالنسبة إلى القوى المحلية فمن الواضح أنها وجدت معطى تعلق عليه رهاناتها على قلب التوازنات.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن التركيز، في الأسابيع الماضية، كان على الدور الذي من الممكن أن تلعبه الدوحة، لكن التطورات في الداخل الفلسطيني ستدفع الجانب القطري إلى نقل إهتماماته إلى تلك الساحة، خصوصاً أنّ الجميع يدرك الدور الذي من الممكن أن تلعبه في هذا المجال، في ظل علاقاتها الوثيقة مع "حماس"، إلى جانب قدرتها على رعاية وساطة تحول دون الذهاب إلى تصعيد غير مضبوط.
بالإضافة إلى ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى أن ما ينطبق على الدوحة ينطبق أيضاً على الجانب الأميركي، على إعتبار أن واشنطن أكثر المعنيين بالتطورات الحالية، إنطلاقاً من مصلحتها بالحفاظ على الإستقرار في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تحالفها مع إسرائيل وسعيها لصيانة صورتها التي هُشِّمت، بينما على المستوى السعودي، فإن ما حصل قد يكون له تداعيات كبيرة على مسار التطبيع مع إسرائيل، وقد يعيد خلط الأوراق من جديد.
في المقابل، ترى هذه المصادر أنه من الصعب، في الوقت الراهن وإحتمالات توسع المواجهة على أكثر من جبهة، توقع أن يكون الجانب الإيراني أو "حزب الله" يضع الملف الرئاسي على رأس قائمة أولوياته، نظراً إلى أنّها تبدلت على نحو كبير، وبالتالي التركيز سيكون على متابعة الواقع الفلسطيني، تحت عنوان منع تل أبيب من الإستفراد بـ"حماس"، من خلال احتمال الذهاب إلى عملية عسكرية مفتوحة تقلب التوازنات على جبهة غزة.
إنطلاقاً مما تقدم، هناك من يعتبر أن هذا الواقع قد يقود إلى إعادة الكرة إلى ملعب الأفرقاء اللبنانيين، على أساس إنشغال الأفرقاء الخارجيين والمخاطر الناجمة من إمكانيات تدهور الأمور إلى سيناريوهات مفتوحة، لكن هذا الإحتمال يبدو ضعيفاً جداً، بسبب الرهانات المستمرة على التطورات الإقليمية، وما يحصل في غزة سيعزز هذا الأمر.
بالنسبة إلى المصادر المتابعة، ما يجري، على الأرجح، سيدفع قوى الثامن من آذار إلى التمسك أكثر بترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، الذي في الأصل لم تظهر أي إشارة على رغبتها في التراجع عنه قبل ذلك، وهو ما قد يتعزز في حال كانت المنطقة تتجه إلى مواجهة مفتوحة، بينما على الضفة المقابلة لن يكون من السهل أن تبادر قوى المعارضة إلى تقديم أي مبادرة جديدة، على إعتبار أن الأمور ستكون متوقفة على ما قد تفرزه المواجهة العسكرية في غزة من توازنات جديدة.
وتشير المصادر نفسها إلى أن ما يحصل، بعد أن كان الحديث طاغٍ عن مسار تطبيعي يجتاح المنطقة، ليس بالأمر السهل، بل هو قد يقود إلى إعادة ترتيب المشهد بشكل كامل، خصوصاً أن التداعيات الأولية له ستكون تجميد هذا المسار، بإنتظار النتائج التي ستكون مرتبطة بحجم الخطوات التي ستذهب إليها تل أبيب، في إطار السعي إلى ترميم صورتها العسكرية والإستخباراتية.
في المحصّلة، تلفت هذه المصادر إلى أنّ جميع المسارات السياسية على مستوى المنطقة مجمّدة، في الوقت الراهن، ومن الطبيعي أن يشمل ذلك الساحة اللبنانية التي يتداخل فيها تأثير معظم اللاعبين الفاعلين على الساحة الإقليمية، بإنتظار ما قد تفرزه التطورات العسكرية من معادلات، سيكون لها ترجمتها على المستوى السياسي.