في الأشهر الماضية، كانت المنطقة تتجه إلى المزيد من إتفاقات التطبيع، أبرزها تلك التي كانت قائمة على المستوى السعودي الإسرائيلي، لا سيما بعد أن أقر الجانبان بوجود إتصالات متقدمة في هذا الشأن، وهو ما تُرجم من خلال الإعلان عن مشروع الممر من الهند بإتجاه أوروبا، الذي يضم السعودية وإسرائيل معاً.
هذا الواقع، كان يفيد بأن هذا المشروع يتقدم على سواه من الناحية العملية، وبالتالي هناك من سيربح من الإلتحاق بهذا المسار، بينما هناك من سيخسر في حال قرر البقاء خارجه، خصوصاً على المستوى الإقتصادي، ومن المؤكّد أن الجانب الفلسطيني هو من أكبر الخاسرين، إلى جانب العديد من الدول التي تُصنّف على أساس أنها من المحور ذاته.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه يوم السبت الماضي، عادت عقارب الساعة إلى الوراء، ما يُفسر الموقف السعودي الحالي بالرغم من الضغوط الأميركية التي تصب في إطار دفع الرياض إلى موقف مختلف، حيث بات الحديث الطاغي هو عن تجميد مسار التطبيع الذي كان متسارعاً، لا سيما أن واشنطن كانت تريد الإنتهاء منه قبل موعد الإنتخابات الرئاسية لديها، لاستثمار ذلك من قبل الإدارة الديمقراطية برئاسة جو بايدن.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن ما ينبغي التوقف عنده هو تكرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامن نتانياهو الحديث عن شرق أوسط جديد، بعد الإنتهاء من المواجهة العسكرية الحالية، مستنداً إلى الدعم الأميركي والغربي الذي حصل عليه، لا سيما أن حجم الخسائر الّذي تعرضت له تل أبيب لا يمكن هضمه، ليس فقط من قبلها بل من قبل حلفائها أيضاً، الذين يدركون أن تركها وحيدة من دون ردّ حاسم سيكون بداية لنهايتها.
إنطلاقاً من ذلك، ستتّجه الأنظار، في المرحلة المقبلة، إلى الميدان، نظراً إلى أنه من الصعب توقع الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في وقت قريب، بسبب حجم الضربة التي وجّهتها "حماس"، حيث التوقعات تصبّ في إطار أنّ الردّ الإسرائيلي لن يكون بسيطاً، بل سيكون بحجم الصفعة التي تعرضت لها تل أبيب، إلا أنّ الأهم يبقى المرحلة التي ستلي المواجهة العسكرية.
هنا، ترى المصادر المتابعة أنه سيكون من الضروري الإشارة إلى أن "حماس" أيضاً لن تترك وحيدة من قبل حلفائها، إذ ليس مسموحاً الإستفراد بها من أجل سحقها، بدليل ما حصل في الأيام الماضية من تطورات على الجبهة اللبنانيّة، حيث تمّ توجيه مجموعة من الرسائل الواضحة في هذا المجال، أما بالنسبة إلى المرحلة التي تلي المواجهة العسكريّة فهي ستكون محكومة بما سيفرزه الميدان من نتائج.
وتشير المصادر نفسها إلى أنه في العام 2006، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركيّة السابقة كونداليز رايس، على وقع العدوان الإسرائيلي على لبنان، عن شرق أوسط جديد، إلاّ أنّ المعادلات الميدانيّة كانت مختلفة، ما يفتح الباب أمام الحديث عن سيناريوهات مختلفة قد تنتج عن المواجهة الحاليّة في غزّة، طالما أنّ الذهاب إلى مواجهة تقضي على "حماس" بشكل كامل لا يزال مستبعداً، بسبب مخاطر إمتدادها إلى عدة جبهات.
في المحصّلة، تعتبر هذه المصادر أنّ أبرز هذه السيناريوهات، هو أن تقود المعركة الجديدة إلى هدنة طويلة الأمد، كما هو حال الجبهة الجنوبيّة، بغضّ النظر عن المناوشات التي تحصل بين الحين والآخر، على قاعدة أن الجانبين باتا يدركان حجم النتائج التي قد تترتّب على أيّ مواجهة جديدة، أو أن تقود إلى أبعد من ذلك في حال وافقت تل أبيب على تقديم تنازلات من العيار الثقيل، مقابل أن يقود ذلك إلى إعادة إنعاش مسار التطبيع مع الدول العربية.