لا يصح التشكيك بالقوة العسكرية والقدرات الكبيرة للجيش الاميركي، ومن ابرز هذه القدرات ما تتمتع به السفينة الحربيّة "يو اس اس فورد" والتي يتوقع ان تتبعها "يو اس اس ايزنهاور" الى منطقة الشرق الاوسط، ناهيك عن سفينتين بريطانيتين ستصلان قريباً ايضاً. هذا التحرك اتى لدعم اسرائيل بعد العملية التي نفذتها حركة "حماس" السبت الفائت والتي ادّت الى اعلان الحرب. ولكن، من يتابع السياسة الاميركية والغربية بشكل عام، يدرك جيداً ان الضلوع في عمليات عسكريّة على الارض لم يعد مندرجاً على لوائح الجيوش الاجنبيّة، ويكفي الدليل الاحدث والابرز على ذلك، ما تشهده الحرب الروسية-الاوكرانية التي جنّدت الغرب كله لدعم اوكرانيا انما لم تشهد الاراضي الاوكرانيّة ايّ تواجد لجندي اميركي او اوروبي، فما الذي سيتغير في غزة؟.
صحيح ان للاسرائيليين حساسيّة ومكانة خاصة لدى الاميركيين والاوروبيين، ويكفي اثارة اي موضوع يطال اسرائيل لادانة من يثيره بأنه معاد للسامية، وهذا ما حصل في فرنسا مثلاً التي قررت عدم السماح بتظاهرات مؤيدة للفلسطينيين لانها "قد تشكل تهديداً للوضع الامني"، وما قاله وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن من تل ابيب اضافة الى الحدّة التي تحدّث فيها الرئيس الاميركي جو بايدن للتعبير عن تضامنهما مع اسرائيل، كفيلة بتبديد ايّ تشكيك لمعرفة موقف الغرب مما يحصل في المنطقة.
لن يكون هناك من داع للتخمين او "التبصير" بأنه لن تتواجد جيوش اجنبيّة على اراضي غزة، ليس بسبب عدم الرغبة في دعم اسرائيل، انما بسبب الخوف من تداعيات ايّ قتيل لجندي اميركي او اوروبي على ارض اجنبية، لانّها ستعني حكماً نهاية المسيرة السياسية للمسؤولين، فيما هم (اي المسؤولون) يتحضرون اما لاعادة انتخابهم او لتعزيز وضعهم في دولهم. وفي غياب التدخل العسكري على الارض، هناك "استماتة" اميركيّة تقابلها موافقة اوروبيّة على عدم توسيع رقعة الحرب، ويجب في هذا الاطار التوقّف ملياً عند كلام المسؤولين الاميركيين والاوروبيين على حد سواء، لجهة تحذير ايران ودعوتها الى البقاء (مع من تمون عليهم وفي مقدمهم حزب الله) خارج اطار الحرب على غزّة، فكان التهويل و"عرض العضلات" من جهة، انما ايضاً صك البراءة الذي اعطي للايرانيين لجهّة عدم وجود ايّ دليل على ضلوعهم بالعمليّة التي نفذّتها "حماس"، وكأنّ الغرب يحتاج بالفعل الى دليل لاتّهام احد وبالاخص ايران للتحرّك وفق ما يشاء.
وتتصدّر اميركا هذا التوجه، وهي تعمل بشكل حثيث مع قطر ومصر للتوصل الى صيغة ما تحفظ ماء وجه اسرائيل، وتقطع ايّ محاولة لتوسيع الحرب، وبالاخص في ظل استمرار الحرب الاوكرانية-الروسية، التي علا صوت الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي من وجوب عدم نسيانه او تركه لقمة سائغة لروسيا. والقلق الاميركي والاوروبي ايضاً يكمن، وعلى عكس ما يقوله المسؤولون في القارتين، من نفاد القدرات المالية والاقتصاديّة لدعم جبهتين في منطقتين مختلفتين وبعيدتين جغرافياً، فالمليارات التي انفقت على اوكرانيا انهكت الدول الغربيّة، ويكفي ان تسأل اي مواطن اميركي او اوروبي ليجيبك انّ ما يقال في هذا السياق صحيح وغير قابل للشك، وقد علت اصوات تطالب بانهاء هذه الحرب لايقاف ضخّ الاموال، وتحويل الوجهة الى الداخل.
من المؤكّد ان الاميركيين والقطريين يعملون معاً، الاولى مع اسرائيل والثانية مع ايران، كي تصل الامور الى خواتيمها من دون ان تنفلت، ولهذا يبدو انّ الجبهات الاخرى في لبنان وسوريا لا تزال ممسوكة الى حدّ ما، والرهان سيكون على مدى قدرة الاثنين بالنجاح في مسعاهما لان عامل الوقت لا يصب في صالحهما، في ظل تواجد لاعبين آخرين ومنهم اسرائيل نفسها للعمل على توسيع الرقعة لجذب العالم لمساندتها كونها تعرف تماماً ان لا قدرة لها على المحاربة على اكثر من جبهة.