منذ عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها حركة "حماس" في السابع من الشهر الحالي، يبرز الحديث عن العملية العسكرية التي من المفترض أن تنفذها إسرائيل، تحت عنوان إستعادة هيبتها ومعادلة الردع، لا سيّما بعد الدعم المفتوح الذي حصلت عليه من غالبية الدول الغربية، على قاعدة "حقّها" في الدفاع عن نفسها، إلا أنّ تل أبيب لم تذهب إلا إلى الخيار العسكري المعتاد، الذي يتمثّل بالضربات الجويّة التي تقود إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين.
مع مرور الوقت، يبدو أن هناك الكثير من الملفّات التي بدأت تفتح، من المرجّح أن تقود إلى تعقيد الموقف في تل أبيب، أبرزها الأسئلة في الداخل حول الجهّة التي تتحمّل مسؤولية الإخفاق الذي حصل، وسط إتّهامات توجّه إلى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، إلى جانب أخرى متعلقة باليوم الثاني لإنتهاء المعركة الحاليّة، في حال نجح الجيش الإسرائيلي بإحتلال قطاع غزة، لكن في المقابل يبدو أن حجم الدعم الدولي، الذي حظيت به في الأيّام الأولى بدأ بالتراجع، ربطاً بالوضع الإنساني في غزّة.
في هذا السياق، تشير مصادر معنيّة، عبر "النشرة"، إلى أنّه منذ البداية كان هناك معطيات حاسمة بأنّ إسرائيل، قبل الذهاب إلى أيّ خطوة في إطار الرد على "حماس"، بحاجة إلى تقييم الوضع بشكل دقيق، لتفادي نتائج عكسيّة سيكون لها تداعيات كبيرة على واقعها، أبرزها قدرتها على الذهاب إلى مواجهة مفتوحة في ظلّ الأزمات التي تعاني منها، بالإضافة إلى مخاطر الوقوع في حرب متعدّدة الجبهات، في حال قرّرت بعض الجهّات الأخرى الإنخراط في المعركة.
بناء على ذلك، توضح هذه المصادر أنّ تل أبيب راهنت على الدخول الأميركي على خط الحرب، سواء كان ذلك من خلال كل الدعم العسكري الذي تستطيع أن تقدّمه أو من خلال الضغط الدبلوماسي الهادف إلى منع تمدّد المعركة نحو جبهات أخرى، بالتزامن مع العمل على إطلاق حملة إعلاميّة ودبلوماسيّة واسعة في الغرب، أرادت من خلالها تصوير المعركة بأنّها حرب على "الإرهاب"، لتبرير ما ستقوم به من خطوات.
من حيث المبدأ، لا يبدو أنّ الحسابات التي قامت بها الحكومة الإسرائيليّة بقيادة نتانياهو كانت جيّدة، نظراً إلى أنّها لم تنجح، حتى الآن، في التيّقن من إمكانيّة تفادي السيناريوهات التي تخشى الوقوع فيها، الأمر الّذي يعود إلى مجموعة من المعطيات التي، على الأرجح، لم تكن تتوقعها، لا بل هي في حال قرّرت الذهاب إلى مواجهة مفتوحة في غزّة قد تجد نفسها أمام أخرى أكثر تعقيداً.
من حيث المبدأ، ترى المصادر المعنيّة أن هناك عدّة نقاط ينبغي التوقف عندها على المستويين السياسي والعسكري، حيث تلفت إلى أهميّة المواقف التي صدرت عن بعض الدول العربيّة والإسلاميّة المؤثّرة، التي على الرغم من خلافاتها مع "حماس"، التي تعاظمت في السنوات الماضية، رفضت أن تؤمّن الغطاء الذي كانت تطمح له تل أبيب، بالرغم من الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة، لا بل هي رفضت مشاريع "أفخاخ" كان يراد تمريرها، كمثل إقتراح نزوح أبناء غزة نحو سيناء في مصر.
بالإضافة إلى ذلك، تدعو هذه المصادر إلى عدم التقليل من أهميّة الحراك الذي قامت به إيران في الأيّام الماضية، بعد أن قرّرت تكليف وزير خارجيّتها حسين أمير عبد اللهيان القيام بجولة واسعة على دول المنطقة، مطلقاً مجموعة من المواقف التي تصبّ في إطار رسم خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، بعد أن رصدت حجم الحراك الأميركي الواسع، الذي يفتح الباب أمام إسرائيل للذهاب بعيداً في معركتها، إلى جانب الموقفين الروسي والصيني.
أما على المستوى العسكري، تؤكّد المصادر نفسها أهميّة الخطوات التي قام بها "حزب الله"، على مدى الأيام الماضية، على خطّ الجبهة الجنوبيّة، بالرغم من كل التحذيرات والضغوط التي كانت تنقل إلى الجانب اللبناني الرسمي، حيث تشير إلى أنّ هذه الخطوات عزّزت القلق الإسرائيلي من إحتمال التورّط بمعركة متعدّدة الجبهات، ما دفع واشنطن إلى الطلب من تل أبيب بتفادي الذهاب إلى هذا السيناريو، من خلال الردّ المفتوح على ما يحصل في هذه الجبهة، لكن في المقابل هذا لا يلغي القلق من إحتمال أن يرفع الحزب من مستوى عملياته.
في المحصّلة، يوحي المشهد الحالي بوجود توازن قلق من الممكن أن يحدّ من العمليّة العسكريّة التي قد تذهب إليها تل أبيب، في الفترة المقبلة، ما قد يفتح الباب أمام خيار تسوية في قطاع غزة، من دون أن يلغي ذلك أن إحتمال التورّط في مواجهة شاملة، في حال الوقوع في خطأ ما غير محسوب النتائج أو التداعيات، أو مضبوطة بأهداف محدّدة لا تقود إلى المواجهة الشاملة، يبقى قائماً.