على خطّ مُوازٍ لجولة الرئيس الأميركي جو بايدن على إسرائيل والمنطقة، في محاولة منه للتسويق سرًا لفكرة عودة قطاع غزّة إلى حضن السلطة الفلسطينيّة بمعاونة مجموعة من دول العالمين العربي الغربي والسلطة نفسها، أنهى الجيش الإسرائيلي استعداداته لمحاولة فرض هذه التسوية بالقوّة، عن طريق تحقيق انتصار ميداني في غزّة. لكنّ إيران، ومن خلفها كلّ أفرقاء "محور الممانعة والمقاومة" سيضعون ثقلهم لإفشال هذا المُخطّط. ماذا في التفاصيل؟.
صحيح أنّ الخطط العسكريّة للهجوم البرّي على غزّة، والتي استكمل الجيش الإسرائيلي تحضيرها في انتظار "ساعة الصفر"، تُعدّ من الأسرار الحربيّة، إلا أنّ التحاليل الغربيّة والعسكريّة رسمت خارطة طريق للهجوم المُرتقب، انطلاقًا من حروب ومعارك سابقة خاضتها إسرائيل، واستنادًا إلى تدريبات ومناورات عسكريّة عدّة أجرتها خلال السنوات الماضية. فما هي أبرز تفاصيل هذا الهجوم:
أوّلاً: استكمالاً للغارات الجويّة العنيفة، وللقصف المدفعي والصاروخي من البرّ والبحر، ستُطلق إسرائيل عشيّة الاجتياح، وفي أثنائه أيضًا، المئات من المقذوفات جوّ–أرض الخارقة للتحصينات، بحيث ستضرب أنفاق غزّة المُحصّنة بقنابل مثل (BLU-113 و BLU-109 و(GBU-28، وبصواريخ ذكيّة من طراز JDAM، بغية تدمير أكبر قدر ممكن من الأنفاق قبل وُصول المجموعات القتالية البريّة.
ثانيًا: سيهاجم الجيش الإسرائيلي قطاع غزّة الذي يبلغ طوله 41 كيلومترًا تقريبًا، والذي يتراوح عرضه ما بين 5 و15 كيلومترًا، من أكثر من مكان وموقع في الوقت نفسه، لتشتيت القوى الفلسطينيّة المدافعة، لكنّ التوغّل البرّي سيجري حصرا وفق خطط مُعدّة مسبقًا ترمي إلى تقطيع القطاع إلى أجزاء عدّة، شبه منفصلة عن بعضها، بهدف إضعاف القدرة القتاليّة الدفاعيّة وقطع الإمدادات عنها. وبالتالي، الهجوم البرّي سيجري على بقعة جغرافية مُحدّدة، يسبقها قصف تدميري عنيف لهذه البقعة تطبيقًا لسياسة الأرض المحروقة، ويليها هجوم آخر يستهدف بقعة جغرافية مُحدّدة أخرى، وهكذا دواليك.
ثالثًا: الهجوم البرّي الذي ستشارك فيه دبابات Merkava الأحدث، من طرازي Mark 4 وMark 5، ومدرعات من طرازEitan 8x8 إضافة طبعًا إلى ناقلات جند M113، يهدف علنًا إلى إنقاذ الرهائن والأسرى، لكنّه يرمي فعليًا إلى تدمير البنية العسكريّة التحتيّة لحركة حماس، وقتل أكبر عدد ممكن من مقاتليها، بحيث لا تعود قادرة على الإمساك عسكريًا بالقطاع.
رابعًا: سيحرص الجيش الإسرائيلي خلال العمليّة البرّية التي ستجري على مراحل متتالية، على ترك ممرّات بريّة تسمح لمن يرغب بالانسحاب من المقاتلين، بالانتقال من شمال القطاع إلى جنوبه، بغية إحداث تغيير ديمغرافي كبير داخل القطاع، استكمالا للتغيير الذي مهّد له التدمير المُمنهج لمناطق جغرافية كاملة.
خامسًا: لن يأخذ الجيش الإسرائيلي خلال هجومه في الاعتبار أيّ قواعد انسانية أو قوانين مرتبطة بالحروب، حيث سيُحاول تدمير أكبر قدر ممكن من غزة، وتهجير أكبر قدر ممكن من أهلها، بهدف زيادة الضغط على حركة حماس إلى أقصى درجة، واستجلاب تدخلات ووساطات خارجيّة عدّة، بهدف تقصير العمليّة البريّة قدر المستطاع.
موعد تدخّل "حزب الله"
في المُقابل، ليس بإمكان إيران الوقوف في موقف المتفرّج إزاء محاولات فرض تسوية وفق خطة التطبيع الأميركية، ولا إزاء محاولات إحداث إنتصار عسكري إسرائيلي على وقع تغيير ديمغرافي جديد، شبيه بما حدث إثر حربي سنتي 1948 و1967. لأنّ السماح بحُصول هذا الأمر، يعني:
أوّلاً: خسارة إيران ورقة غزّة التي تُعدّ من بين الأهم بين يديها، وبالتالي، إضعاف كل "محور الممانعة" بشكل كبير، وفقدان القدرة على ضرب إسرائيل من داخل الأراضي الفلسطينيّة، خاصة في حال نجاح الجيش الإسرائيلي بتدمير البنية العسكرية لحركة حماس، وبالتالي بإعادة احتلال القطاع.
ثانيًا: إعادة فتح الباب مُجدًدًا أمام مفاوضات التطبيع العربيّة–الإسرائيليّة والتي كانت قائمة على قدم وساق، وربّما تسليم السُلطة الفلسطينيّة مسؤولية الأمن في قطاع غزّة بعد نزع السلاح منه، الأمر الذي من شأنه إسدال الستار على القضيّة الفلسطينيّة ككلّ!.
ثالثًا: منح إسرائيل فرصة تعويض خسارتها الجولة القتاليّة الأكثر دمويّة في تاريخها المُعاصر، وضياع إمكانيّة تسديد ضربات أكبر وأكثر إيلامًا للإسرائيليّين في المستقبل القريب، وهو ما لا قُدرة لإسرائيل على تحمّله، لا عسكريًا ولا سياسيًا ولا اقتصاديًا، حيث أنّ المسألة مرتبطة بوجودها ككلّ.
من هنا، في حال مضت إسرائيل قُدمًا في خطتها للدخول برًا إلى داخل القطاع–ولوّ على مراحل، وخُصوصًا في حال فشل المقاتلون الفلسطينيّون الذين استعدّوا جيّدًا لمواجهة أيّ هجوم، في وقف الاجتياح الاسرائيلي المُرتقب، فإنّ الأمور ستُصبح مفتوحة على كل الاحتمالات، بالنسبة إلى إيران، والمحور الذي تمثّله. وعندها، سيكون تدخّل الفريق الأقوى ضمن هذا المحور، أيّ "حزب الله"، الأكثر ترجيحًا، بموازاة دعم صاروخي بعيد المدى يمكن أن ينطلق من سوريا والعراق واليمن. والتدخّل العسكري المذكور سيتدرّج صُعودًا بوتيرة سريعة، تبعا لمدى تطوّر الوضع الميداني في قطاع غزّة. والخيارات المتاحة، تبدأ بقصف التجمّعات العسكرية الإسرائيليّة وضرب خطوط الإمداد بالصواريخ والمُسيّرات، وتمرّ بتعطيل المطارات والمرافئ ومختلف المرافق العسكريّة الأساسيّة، وُصولاً إلى الدخول برًا وبحرًا إلى الجليل وإرسال المسيّرات المتفجّرة إلى العمق الإسرائيلي. أكثر من ذلك، سيجري ضرب المدن الإسرائيليّة ومصافي النفط والبنى التحتية والمرافق المدنية الحيويّة، في حال عمدت إسرائيل إلى القيام بالمثل في لبنان.
في الخلاصة، الأيام والأسابيع القليلة المقبلة فاصلة، لجهة تحديد الوجهة التي ستأخذها المعركة، والتي ستنتهي حتمًا بوقائع ميدانية ستفرضها نتائج ساحات القتال. وهذه الوقائع ستؤسّس بدورها لنتائج سياسيّة ستُحدّد وجه المنطقة لسنوات عدّة، ما لم يكن لعقود مقبلة. وبالتالي، لا شكّ أنّ احتمال دخول لبنان في حرب جديدة مرتفع، علمًا أنّ بداية هذه الحرب ستكون معروفة، بعكس نهايتها!.