أعادت التوترات التي تشهدها الجبهة الجنوبية، منذ اليوم الأول لعملية "طوفان الأقصى"، الأجواء التي كانت سائدة بعد عدوان تموز على لبنان في العام 2006، لا سيما لناحية الخلاف حول من يمتلك قرار الحرب والسلم في البلاد، في ظل التحذيرات الدولية التي تنقل إلى بيروت من مخاطر إنخراط "حزب الله" في المواجهة الحالية.
بالتزامن مع الأنظار التي توجه إلى الحزب، بالنسبة إلى الخطوات التي من الممكن أن يقوم بها في حال تطور الأوضاع أكثر في قطاع غزة، هناك أسئلة تُطرح حول دور بعض الفصائل الفلسطينية، بعد أن بادرت في الأيام الماضية إلى تنفيذ عمليّات إنطلاقاً من الحدود اللبنانيّة.
في هذا السياق، لم تتردّد العديد من قوى المعارضة في التحذير مما تسمّيه "توريط" لبنان في هذه المواجهة، على قاعدة أن البلد لا يحتمل تداعيات هذا الأمر، في حين كان "حزب الله" قد أعلن، في اليوم الثاني من المواجهة، أنه ليس على "الحياد"، قبل أن يعود ليؤكّد أنه "يتابع خطوات العدو ومتى يحين وقت أي عمل سيقوم به".
في هذا الإطار، تجدد مصادر نيابية معارضة التشديد، عبر "النشرة"، على ضرورة إبقاء لبنان بعيداً عن دائرة المواجهة في ظلّ الأوضاع التي تمر بها البلاد، مستغربة التصريحات التي تصدر عن بعض المسؤولين الإيرانيين، خصوصاً وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، التي توحي بأنها هي من تقرر متى يتم فتح الجبهة الجنوبيّة، تحت شعار "وحدة الساحات"، في حين يتلقى المسؤولون اللبنانيون دعوات يومية للإبتعاد عن دائرة النار.
بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا الأمر لا يعني وجوب أن يكون لبنان على "الحياد"، بل على العكس من ذلك الوقوف إلى جانب الفلسطينيين أكثر من ضروري في هذه المرحلة، وتحديد ما هو مطلوب منه في المرحلة الراهنة، ربطاً بالإمكانيات والقدرات التي تأخذ بعين الإعتبار دفع المخاطر التي قد يكون لها تداعيات كبيرة، حيث تعتبر أن البلد يمكنه أن يلعب دوراً سياسياً ودبلوماسياً مهماً، بدل الذهاب إلى الخيارات العسكرية.
في الجهة المقابلة، لا تزال قوى الثامن من آذار تتمسك بمعادلة أن قرار الحرب والسلم هو مع الجانب الإسرائيلي، الذي في الأصل لم يتوقف عن الإعتداءات على لبنان منذ ما قبل "طوفان الأقصى"، كما أنه لا يزال يحتل أراضٍ لبنانية، وبالتالي لا يمكن الإستمرار بتكرار الأسئلة نفسها حول قرار الحرب والسلم.
إنطلاقاً من ذلك، تتمسك مصادر نيّابية في هذه القوى، عبر "النشرة"، بالمعادلة التي كان قد طرحها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، منذ الأيام الأولى، عندما أبلغ السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيا أن "لبنان ليس معنياً بالتصعيد، اذهبوا وتحدّثوا مع الإسرائيلي"، على إعتبار أن تلّ أبيب هي المسؤولة عن المسار الذي من الممكن أن تسلكه المواجهات في المرحلة الراهنة، سواء كان ذلك في الداخل الفلسطيني أو على الجبهة الجنوبية.
وفي حين تشدد هذه المصادر على معادلة أن لبنان غير معني بتقديم ضمانات أو تطمينات، من خلال الوسطاء أو الموفدين الغربيين، للجانب الإسرائيلي، على إعتبار أن هذا الأمر سيكون بمثابة إشارة له كي يصعد من إعتداءاته على الفلسطينيين، ترى أنّ السماح لتل أبيب بالوصول إلى مرحلة القضاء على المقاومة في غزة، سيفتح الباب أمامها للتفكير بتكرار هذا الأمر في لبنان مستقبلاً، لا سيما إذا ما توفر لها الغطاء الدولي لذلك، كما هو حاصل اليوم بعد "طوفان الأقصى".
في المحصّلة، العنوان الأبرز لمصير الجبهة الجنوبيّة مرتبط بالتطورات المنتظرة في الداخل الفلسطيني، خصوصاً لناحية إقدام تل أبيب على تنفيذ تهديداتها بالذهاب إلى مواجهة شاملة بهدف القضاء على "حماس"، إلا بحال نجحت الجهود الدبلوماسيّة في دفعها إلى التراجع عن ذلك، لا سيما أن كلفة هذا الأمر لن تكون سهلة عليها على الإطلاق.