في اليومين الماضيين، برزت التحركات التضامنية مع الفلسطينيين في قطاع غزة في العديد من المناطق اللبنانية، لا سيما بعد المجزرة التي ارتكبتها الطائرات الإسرائيلية، نتيجة إستهدافها مستشفى المعمداني في القطاع، ما أدى إلى سقوط المئات من الضحايا والجرحى.
هذه التحركات مفهومة وضرورية في ظل ما يحصل من جرائم في غزة، لكن في المقابل هناك الكثير من علامات الإستفهام حول ما يحصل خلال بعضها من أعمال، كمثل تلك التي حصلت في بلدة عوكر، التي تضم السفارة الأميركية في لبنان، حيث كان المتضرر منها مواطنون لبنانيون يسكنون ساحتها أو مؤسسات تضم العشرات من الموظفين الذين تعتاش عائلاتهم منها.
في هذا المجال، قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن نقطة تجمع المتظاهرين أمام السفارة الأميركية، تاريخياً، تبعد مسافة كبيرة عن موقع السفارة، وبالتالي كل ما يقوم به المتظاهرون من أعمال لن تتأثر به السفارة، خصوصاً أن هناك العديد من النقاط العسكرية والأمنية التي تحول دون وصولهم إليها، وبالتالي ما يقومون به من أعمال شغب لا يكون له أي فائدة تذكر، بل على العكس من ذلك تداعياته سلبية على الهدف من التحرك.
هنا، قد يكون السؤال عن الفائدة من التعرّض لعناصر القوى الأمنيّة التي تقوم بواجبها ولا تحتاج إلى إستنزاف قدراتها في هكذا أعمال، أو من التكسير المتعمّد لزجاج السيارات التي تكون مركونة في المكان، أو من التعرض لبعض المؤسسات والمنازل، لا سيّما أن الجميع يعلم أن ليس هناك من سيعوض على هؤلاء الخسائر التي يتعرضون لها، كما ليس بمقدورهم هم القيام بإصلاح الأضرار الناجمة عن هذه التصرّفات، أو مَنْ تعمّد مِنْ بعض سائقي الدراجات الناريّة الى قطع الطريق على المواطنين الذين يسلكون الطريق العام، الأمر الذي كاد يؤدّي إلى إشكالات وتوترات لا فائدة منها.
في هذا السياق، هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الجهات التي تدعو أو تنظم هذه التحركات، فهي المعنيّة قبل أيّ جهة أخرى في ضبط هذه التصرفات التي تسيء إلى القضية الفلسطينيّة ولا تخدمها، وهي لا تستطيع أن تتحجّج بوجود عناصر غير منضبطة تقوم بها أو أنها ناجمة عن حالة غضب في صفوف المتظاهرين، وإلاّ يكون عليها البحث عن وسائل أخرى تستطيع من خلالها التعبير عن تضامنها.
بالإضافة إلى ما تقدّم، هناك ظاهرة أخرى تحتاج إلى معالجة، تكمن بالدعوات إلى إقفال بعض المؤسسات التجارية التي تعمل منذ سنوات في لبنان، تحت عنوان أنّ المؤسسات العالمية التي تحمل الإسم نفسه تدعم إسرائيل، في حين أنّ البحث في العلاقة التي تربط الجانبين تحتاج إلى بحث قانوني طويل، لكن الأساس يبقى أن ما يحصل من أعمال أو إعتداءات على تلك المؤسسات يتضرّر منها مواطنون لبنانيون، سواء كانوا من أصحابها أو من العاملين فيها، وهي لا تقدّم أو تؤخّر في سياق دعم القضيّة بل تسيء إليها، مع أنّ الجهات التي تقف وراء هذه الدعوات، التي تنتشر عبر مواقع التواصل الإجتماعي، تبقى غير معلومة أو معروفة الأهداف.
في الإطار نفسه، من الضروري الإشارة إلى ما يحصل، في بعض المناطق، من تحركات ليليّة، يقوم بها أشخاص يستقلّون درّاجات ناريّة، معتقدين أنّهم من خلال هذه العراضات التي تسبب الإزعاج لسكان تلك المناطق، يتضامنون مع القضية الفلسطينيّة، في حين هم أيضاً يسيئون إليها، وقد يتسببون في وقوع إشكالات أمنيّة لا فائدة منها.