أستغرب كيف يمكن أن تكون أرض السلام الأقدس، عند الديانات الإبراهيمية، التي تؤمن بالإله الواحد، أرض الحرب وقتال وانتهاكات ودمار. وكيف لا تُحترم فيها حقوق الإنسان، فهل لها أن تنادي بالفرائض والشرائع الإلهية، التي ترفض بطبيعتها العنف وكلّ مشتقاته؟!.

لقد جاء الجواب على هذه المعضلة اللاهوتية، مع بداية رحلة السيّد المسيح على هذه البسيطة، مستبشرين بجموع الملائكة المنشدين "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام"! تكلّلت مسيرة السيّد المسيح بما فيها من تعاليم وقيم إلهية-روحيّة، تهويمات ما بين التطويبات واللعنات، وذلك من دون المساس في عقليّة الإنسان التحرريّة أمام القضايا الكبرى تحقيقًا وانتهاكًا. كلّ ذلك أمام جاذبية الحريّة المغريّة والفاتنة، بأناقتها التفلتيّة من كلّ المنظومات الأخلاقيّة الكونيّة. شنّت الحروب بأسم الآلهة الأصناميّة، كما باسم الحريّة، فشخصنت الشعوب مقدساتها على الحريّات العامة والحقوق.

إنّ التحولات في المشهديّة العالميّة على الصعيد الفردي، أصبحت عدّة فكريّة جديدة في خلق المفاهيم، مقدمات تافهه، لأيديولوجيات مهترئة ومترديّة وصدئة، في عملية إعادة تدوير العقل، لإنتاج الإنسان المعاصر... أو بمعنى آخر، الإنسان الجديد. ليندهش من نظرته ومقاربته للقضايا الأخلاقيّة والإنسانيّة، المغلفة بنظرات عنصريّة وانفراديّة وانطوائية، بل قل أكثر وحشيّة وغرابة تجاه الإنسانيّة المنتمي إليها!.

فمن العجب أن تكون الإنسانيّة في حدّ ذاتها للكائن البشري، مجرّد فرضيّة وعددية فارغة وغريبة ومنحدرة إلى أدنى المستويات. فالثورة التكنولجيّة التي نجحت في تحويل الأرض إلى قرية كونيّة في عمليّة الإنثقاف العام، لإنتاج إنسان الجديد، أكثر عنفًا وغضبًا وتهميشًا، في إظهاره كمتفلّت من كلّ القيود. ليس تحررًا بل استعبادًا، وصولًا إلى أجْرَمَةِ أفعاله البسيطة، بدأ في "بنجنة" ضميره الإنسانيّ، بل قل قتله أمام مشاهد العنف والقتل والدمار.

إنّ استهجان العقل الحديث للفضائل والقيم الروحية والإستنارة الإلهيّة، بالرذائل الشيطانيّة معتبرًا نفسه من الصفوة المختارة من الله! لهو خزي وعار...

في العودة إلى الجواب عن الإشكاليّة الإيمانيّة لآلام الأبرياء، أعطاه المعنى للاهوتي السيّد المسيح، ليس في ميلاده وحياته وحسب، إنّما وهو على صليب العار، مقدمًا نفسه ذبيحة فداء عن الكلّ، وهو البريء المتألم بإمتياز.

أمام مشهديّة الموت الأطفال والأبرياء في غزّة أرى السيّد المسيح من جديد على الصليب وعلى الأرض نفسها... متألمًا صارخا "إنكم لا تدرون ماذا تفعلون".

فيا أبناء البشر كفانا مجازِرَ، كفانا مذابِحَ، كفانا قتالًا... هذا لا يخدم السلام، لا يخدم الإنسان، حروبًا من أجل الأرض، من أجل النفط ومن أجل الدولار... أبصروا وأنظروا فإنّ الوجود دوّامة، اخرجوا منها، من الموت إلى الحياة، ومن الصلب إلى القيامة...