لا يمكن لاحد ان يتعاطى مع احداث المنطقة بعد 7 تشرين الاول الفائت، كما كان يتعاطى معها قبل هذا التاريخ. هذه حقيقة لا تقبل التأويل او الشك، ولا يمكن الاستخفاف بها لان العالم اجمع اجتمع في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة التي تحوّلت الى مسرح عملياته العسكرية والدبلوماسية. السؤال المطروح على كل شفة ولسان هو: ماذا بعد والى اين؟ ضربت "حماس" ضربتها المؤلمة جداً لاسرائيل، وردّ الاسرائيليون بوحشيّة تفوق الخيال على الضربة وانقسم العالم الى صفّين منقسمين يجمعهما خيط رفيع هو عدم نشوب حرب شاملة قد تصل الى حدود الحرب العالميّة.
سيناريوهات كثيرة تمّ وضعها من قبل المحللين والمتابعين للاوضاع في الصالونات العامة والخاصة حول مصير هذه الاحداث التي لا تقيم وزناً لحياة الانسان ولا للقيم الانسانية، وانطلاقاً من مبدأ لاثبات ان النهاية باتت قريبة، تعدّدت الآراء حول صورة هذه النهاية. وبعد الاستماع الى الطروحات والتحليلات، يصل المرء الى ان نقاط التوافق التي يمكن جمعها من هنا وهناك تفضي الى التالي:
1-باتت اسرائيل في موقع حرج بعد ما قامت به وانتهاء فترة السماح المعطاة لها للقيام بما تريد من دون رادع.
2-لم يعد الوضع الاقتصادي في اسرائيل والعالم، يسمح باطالة امد هذه الاحداث التي تستنزف الاموال وتشل العجلة الاقتصادية والزراعية والسياحية في المنطقة ككل.
3-صبر الرأي العام نفد، وحتى بعض القيادات العالمية خرجت عن سكة الدعم المطلق لاسرائيل (على سبيل المثال لا الحصر الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس)، كما ان شريحة مهمة من اليهود في اسرائيل وخارجها باتت تطالب بوقف اطلاق النار والتركيز على الحل الدبلوماسي، مخافة ان تتفلت الامور وتثمر بذور الفوضى في الشرق الاوسط ككل، وفي داخل كل دولة من الدول الغربية التي بات استقرارها الامني مهدداً بفعل الانقسام الكبير والتهديدات الموجهة الى المسلمين واليهود.
4-لا تزال ورقة الاسرى حاضرة بقوة على الساحة، وهي، اضافة الى الموضوع الانساني وضرورة تأمين الحاجات الاساسية لسكان غزة (او من تبقى منهم على قيد الحياة)، تشكل مدخلا مهماً على طريق الحل الدبلوماسي المنتظر.
5-بوادر استدعاء السفراء التي اتت متأخرة ولا تزال خجولة، دلالة واضحة على تضخم الامور وتصاعد الضغوط، وسط خشية اميركيّة جدّية من انهيار كل ما تم ترميمه بين العرب واسرائيل على خط تطبيع العلاقات، وهو بمثابة جرس انذار جدّي لواشنطن وتل ابيب بنوع خاص.
ومع حرص الجميع على ابعاد شبح الحرب الاقليمية-الدولية، لم يعد بالامكان غضّ النظر عن حلّ الدولتين الذي عاد الى الواجهة من جديد بعد نفض الغبار عنه، انما تبقى المشكلة في التفاصيل. ووفق ما يتم طرحه من كلام دبلوماسي، فإن الحل الذي يرضي الجميع هو الضغط الدولي لتكريس اتفاق الدولتين بشروط مختلفة نوعاً ما عما كانت عليه في السابق، مع ضمان الحفاظ على ماء الوجه بالنسبة الى اسرائيل و"حماس"، بمعنى ان تتحقق احدى الشروط الاسرائيليّة من خلال "تحجيم" الحركة ونزع سطوتها عن الفلسطينيين، كما تكون جائزة الترضية لـ"حماس" عدم انهائها وابقائها في فلك الحركة السياسية والدبلوماسية من خلال تسليمها مسؤوليات سياسية الى جانب حركة "فتح"، مع تعزيز مقوّمات الحياة اليومية الفلسطينيّة. ومن الامور المطروحة على الطاولة ايضاً، العودة عن خطة توسيع المستوطنات والعمل على تفكيك تلك التي اقيمت في الفترة الاخيرة بعد ان ثبت انها مشكلة للجانبين الاسرائيلي والفلسطيني على حدّ سواء. اما مشكلة القدس، التي تعتبر "ام المشاكل" فقد تشهد حلاً من خلال تدويلها، خصوصاً بعد عمليات التطبيع، بحيث تتواجد فيها قوات عربيّة ودوليّة تضمن بقاءها مفتوحة امام الجميع، ما يعني غياب الاستفزازات الاسرائيليّة والتحكم بالقرارات اليوميّة ومنها بالاخص السماح للمصلّين بالصلاة في المسجد الاقصى.
قبل 7 تشرين الأول الفائت، كان كل من يتجرأ على طرح هذه الامور، محط تعليق وسخرية، امام اليوم فالبحث جدّي فيها وقد تبدأ الامور بالتبلور سريعاً، مع احترام الوقت اللازم (المقبول) لوضع الحلول على سكة التنفيذ.