على هامش التركيز على تطورات الأوضاع في قطاع غزة والتداعيات التي من الممكن أن تترتب على الأوضاع في الجبهة الجنوبية، يطغى في الأوساط المحلية التركيز على كيفية معالجة إحتمال الشغور في قيادة المؤسسة العسكرية، مع إقتراب موعد نهاية ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون، لا سيما مع إستمرار الخلافات حول المخارج التي من الممكن أن تحول دون ذلك.
في الأسابيع الماضية، كانت العديد من الأوساط السياسية تؤكد أن تأجيل تسريح قائد الجيش هو الخيار الأكثر ترجيحاً، خصوصاً أن هذا الأمر يحظى بدعم العديد من الجهات الدولية والإقليمية الفاعلة، لكن مؤخراً برز الحديث عن إمكانية الذهاب إلى تعيين رئيس للأركان، يتولى هو قيادة المؤسسة العسكرية بعد نهاية ولاية عون، بسبب صعوبة التوافق على الخيار الأول.
في هذا السياق، تشدد مصادر متابعة، عبر "النشرة"، على أن كل الإحتمالات لا تزال واردة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن سقوط خيار تأجيل التسريح بشكل نهائي، نظراً إلى أن الإتفاق على تعيين رئيس للأركان لم يكتمل بعد، بالرغم من تأكيدها أن هناك قوى بارزة تسعى إلى هذا الأمر، إعتقاداً منها بأن ذلك سيضعف من حظوظ قائد الجيش الرئاسية، بعد أن كان ينظر إليه على أساس أنه المرشح الأبرز، إلى جانب رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية.
بالنسبة إلى هذه المصادر، غالبيّة القوى المحلية تتعاطى مع هذا الإستحقاق من منطلق الحسابات الرئاسيّة، لكن في المقابل لا ينبغي تجاهل عامل أن الواقع في المؤسسة العسكرية يرتبط بمواقف بعض الجهات الخارجية، أبرزها الولايات المتحدة، التي تعتبر أن المس بهذا الموقع من الخطوط الحمراء، إلا أن طريقة تعاملها مع إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، فتحت الباب أمام الحديث عن ترتيب معين من الممكن أن توافق عليه، كما حصل لدى تسلم حاكم مصرف لبنان بالوكالة وسيم منصوري.
من حيث المبدأ، الشغور في قيادة الجيش سيعني شموله العديد من المواقع المسيحية الأساسية، بعد أن كان بدأ في رئاسة الجمهورية قبل أن ينتقل إلى حاكمية مصرف لبنان، ما يدفع البعض إلى الحديث عن إمكانية صدور موقف بارز عن البطريركيّة المارونية في الأيام المقبلة، لكن في المقابل هناك من يتحدث عن سيناريو يفتح الباب أمام مقايضة كبرى.
في هذا الإطار، تلفت المصادر المتابعة إلى أن الحديث عن أي مقايضة لن يكون قبل إتضاح الصورة التي ستكون عليها المنطقة في المرحلة المقبلة، ربطاً بالتطورات القائمة منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول الماضي، حيث ترى أن الحرب في غزة سترسم توازنات لن يكون من السهل تجاوزها في أكثر من ملف إقليمي عالق، وتشير إلى أن الشغور في قيادة الجيش يعني أن أركان المقايضة باتت تشمل المواقع التالية: رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة وتركيبتها، حاكمية المصرف المركزي، قيادة الجيش.
من وجهة نظر هذه المصادر، الأفرقاء المحليين سيقتصر دورهم بالصراع على تركيبة الحكومة المقبلة والحصص فيها، أما باقي المواقع فإن التوافق حولها، عندما يحين موعد ذلك، سيكون بين اللاعبين الدوليين والإقليميين المؤثرين، وتلفت إلى أن الولايات المتحدة ستكون معنية بقيادة الجيش وحاكميّة مصرف لبنان، بالنظر إلى أهمية الموقعين لها، حيث من الممكن أن تسهل الإتفاق على شخصية مقربة من قوى الثامن من آذار لرئاسة الجمهورية مقابل ذلك، بينما السعودية ستكون صاحبة كلمة حاسمة في الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة المقبلة، خصوصاً أن مقتضيات أي تسوية تتطلب حضورها.
في المحصّلة، تأجيل تسريح قائد الجيش كان من الممكن أن يكون أكثر سهولة، فيما لو لم يكن مرتبطاً بحظوظه الرئاسية، نظراً إلى أن هذا الأمر أدخل المعالجة في قلب السباق إلى قصر بعبدا، بإنتظار ما سيتم التوافق عليه كمخرج في الأيام المقبلة لمنع الشغور في قيادة المؤسسة العسكرية، من دون أن يعني ذلك عدم إمكانية العودة إلى خيار تأجيل التسريح.