بين الحين والآخر، يقرر وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى فتح "معركة"، لدرجة بات المتابعون ينتظرون ما قد يقدم عليه في أيّ لحظة، غير آبه بالنتائج التي من الممكن أن تترتب على ذلك، نظراً إلى أنّ الهدف واضح ومحدّد، وهو خلق هالة تتيح له الإستمرار في الحياة السياسية، بعد رحيل حكومة تصريف الأعمال الحالية، من خلال وضع نفسه في موقع المدافع عن الفريق السياسي الذي ينتمي إليه، بالرغم من أن ما يقوم به قد يأتي بنتائج عكسيّة.
في لبنان، من النادر أن يحظى أيّ وزير ثقافة بضجة إعلامية، لكن المرتضى يسعى إلى ذلك، وهو كان في الفترة الماضية قد ذهب إلى أكثر من مواجهة على هذا الصعيد، منها توليه مهمة التصدي لـ"الحرب" على المثليّة، قبل أشهر، التي حولّها إلى "حرب كونيّة"، بسبب فيلم "باربي"، ما ساعد في الترويج لهذا الفيلم، ودفع من كان لا يريد إلى البحث عن الوسائل المتاحة لمشاهدته.
بعيداً عن هذه "الحرب"، هناك أخرى ذهب إليها وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال، لم تحظَ، مع الأسف، بالإهتمام الكبير، بالرغم من أنها متعلقة مباشرة بدور وزارته، تكمن برعايته الإنقسام الذي حصل حول تنظيم معرض الكتاب، فبدل أن يذهب إلى إحتواء الخلاف الذي كان قد حصل بين "النادي الثقافي العربي"، الذي يتولى تنظيم "معرض بيروت العربي للكتاب"، ونقابة "اتحاد الناشرين اللبنانيين"، ذهب إلى تبنّي وجهة نظر الفريق الثاني، عبر رعايته الرسمية لـ"معرض لبنان الدولي للكتاب"، بالرغم من أنّ الجميع يدرك أنّ "السوق" لا يحتمل وجود معرضين، والمعرض الأول سيتولى رعايته رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
أما جديد وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال، فيمكن وصفه بـ"العمل المتهوّر"، الذي يصبّ في إطار الهدف نفسه للمعارك التي يخوضها، وهو، حسب لغة مواقع التواصل الإجتماعي، جمع المزيد من "اللايكات"، وإلاّ كيف يُفسر مبادرته إلى إعطاء "الأوامر"، الأسبوع الماضي، لإزالة شعار "الدرع الأزرق"، الذي كان قد علّق على أحد جدران قلعة بعلبك، عملاً باتفاقيّة دوليّة لحماية الممتلكات الثقافية خلال النزاع المسلح.
بحسب ما أعلن المرتضى، فإن "الفظائع في غزة أثبتت أن مثل هذه الدروع لا تحمي شيئاً"، وأن "ما يحمي لبنان وشعبه والأملاك الخاصة والعامة فيه هو جيشنا الباسل والمقاومة المقتدرة"، الأمر الذي ليس الهدف هنا مناقشته به، بل على العكس، هناك تسليم بدور الجيش والمقاومة، لكن القليل من البحث حول الهدف من وضع الشعار يقود من جديد إلى معادلة المعارك "الوهميّة"، التي لا فائدة منها.
الهدف من شارة "الدرع الأزرق" هو حماية الممتلكات الثقافيّة خلال النزاع المسلح، عبر إطلاع كل الجهات المتقاتلة بأنّ هذا الموقع هو ممتلك ثقافي، وبالتالي يجب عدم استهدافه أو استخدامه عسكرياً، وهناك شارات أصغر، من ذلك الذي أمر المرتضى بإزالتها، كانت قد وضعت في العام 2019، تبعاً لإبرام البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي لعام 1954 والخاص بحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، بموجب القانون رقم 150 الصادر في تاريخ 15/10/2019.
ما يعني أن ما أقدم عليه، بحسب المتابعين، هو تفريط بضمانة غير مكلفة لحماية الأبنية الأثريّة، وقد يؤدّي إلى تعريض هذه المواقع للخطر أو الإستهداف، وربما يحول دون إمكانية اللجوء للمحاكم الدولية. بينما وجود الشعار لن يقود إلى التأثير بمعادلة الحماية التي تحدث عنها بأيّ شكل من الأشكال، بل يرمي بالمسؤولية على الجانب الإسرائيلي، في حال تطور الأوضاع العسكرية، أمام المجتمع الدولي.
في الختام، من حقّ المرتضى أن يكون له "الطموح" السياسي الذي يريده، كما أنّ من حقه أن يكون له وجهة نظره السياسية التي لا "يقصّر" في التعبير عنها بشكل يومي، لكن في المقابل عليه في تصرفاته أو في القرارات التي يتّخذها أن يضع المصلحة اللبنانية أولاً، والتوقف عن خوض "المعارك" التي لا طائل منها.