منذ اليوم الأول لعملية "طوفان الأقصى"، قررت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الوقوف إلى جانب إسرائيل، من خلال منحها الضوء الأخضر اللازم للقيام بما تراه مناسباً لإستعادة "هيبتها" التي تكسرت، وهو ما توّج من خلال المساعدات العسكريّة المفتوحة التي قدمت لها، إلى جانب زيارة بايدن نفسه تل أبيب، ومشاركته في الإجتماعات السياسية والعسكرية التي كانت تعقد.
أساس الدخول الأميركي المباشر على خط الحرب بهذا الحجم، كان عنوانه الأساسي "ردع" باقي الجهات التي تنتمي إلى محور المقاومة عن التصعيد، وهو ما تم التعبير عنه في أكثر من موقف، بالرغم من التأكيدات التي صدرت عن المسؤولين الأميركيين بعدم الرغبة في توسيع رقعة المواجهات.
في هذا السياق، لا يبدو أنّ الجانب الأميركي، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة لـ"النشرة"، قد نجح في تحقيق هذا الهدف بشكل كامل، بدليل أن القوى التي كان من المفترض "ردعها" صعّدت من عمليّاتها العسكرية التي تستهدف إسرائيل بعد ذلك، حيث بات من الممكن الحديث عن أكثر من جبهة، رغم التفاوت في حجم كل منها، من جنوب لبنان إلى سوريا فالعراق وصولاً إلى اليمن، بالرغم من أن معظمها لا يزال يحاول تلمس الخطوط الحمراء الأميركية.
وتشير هذه المصادر إلى أن هذا الواقع، بغض النظر عن المسار الذي ستسلكه الحرب في غزة، سيدفع إلى طرح الكثير من علامات الإستفهام حول دور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة، خصوصاً على مستوى علاقاتها مع حلفائها، التي كانت في الأصل قد توترت خلال السنوات الماضية، لا سيما العرب منهم، نتيجة المسار التفاوضي مع إيران، في العهود التي يكون فيها الرئيس الأميركي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، لعبت واشنطن دوراً أساسياً في دفع بعض الدول العربية إلى تصعيد لهجة الخطاب ضد إيران، لكنها عند وصول التوتر إلى اللحظات الحرجة لم تبادر إلى تأمين الحماية التي كانت مطلوبة، لا بل سعت إلى دفع تلك الدول للذهاب نحو التطبيع مع تل أبيب، كمقدمة نحو إتفاقات عسكرية كان يراد منها خلق توازن ردع في المنطقة، إلا أن "طوفان الأقصى" أثبتت أن تل أبيب عاجزة عن حماية نفسها.
على صعيد متّصل، ينظر إلى الولايات المتحدة، بسبب موقفها السياسي ودعمها العسكري لإسرائيل، على أساس أنها شريك في الحرب على قطاع غزة، خصوصاً أنها لا تزال، حتى الآن، ترفض الذهاب إلى إتفاق لوقف إطلاق النار، وتحصر جهودها، المعلنة، بالحديث عن هدنة إنسانيّة، بينما تنقسم الآراء حول حشدها العسكري، بين من لا يزال يعتبر أنه في إطار "ردع" ومن يرى أنّ حجمه يتخطى هذا الهدف.
في قراءة المصادر المتابعة، هناك نقطة أساسيّة ينبغي التوقف عندها، تكمن بالخلافات التي تكبر بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب بسبب الحرب الحالية، وهو ما كان قد برز في الموقف المتشدد، لا سيما من جانب مصر والأردن، في رفض مشروع تهجير سكان غزة إلى سيناء، الأمر الذي كان من المتوقع، في حال نجاحه، بأن يستتبع بآخر يتعلق بتهجير سكان الضفة الغربية نحو الأردن.
وتلفت هذه المصادر إلى أنّه خلال مختلف الإجتماعات، التي عقدها وزير الخارجية الأميركيّة أنتوني بلينكن في الأيام الماضية مع مسؤولين عرب، ظهر تباين كبير في وجهات النظر بين الجانبين، لا سيما أن الدول العربية تتمسك بمطلب الذهاب إلى وقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية، بالتزامن مع فتح الباب أمام العودة إلى التفاوض حول حل الدولتين المرفوض من قبل إسرائيل.
في المحصلة، تشير المصادر نفسها إلى أن ما يمكن الحديث عنه هو أن واشنطن اليوم في مأزق لا يقل خطورة عن ذلك الذي تمر فيه تل أبيب، فهي من جهة لم تنجح في تحقيق "الردع" الذي كانت تريده، كما أنها تواجه أزمة على مستوى علاقاتها مع حلفائها العرب، في حين أن إدارة بايدن ستتجه، خلال فترة قصيرة، إلى التركيز على الإنتخابات الرئاسيّة، مع ما يعنيه ذلك من الحاجة إلى تحالفات مع مجموعات الضغط الفاعلة في الولايات المتحدة.